والصلح إنما أوجب الكف عنهم وأخذ الخراج منهم.
مسألة:
قال الشافعي:" وما فعل المسلمون بعضهم ببعض في دار الحرب لزمهم حكمه حيث كانوا إذا جعل ذلك لإمامهم لا تضع الدار عنهم حد الله ولا حقا لمسلم. وقال في كتاب السير: يؤخر الحكم عليهم حتى يرجعوا من دار الحرب".
قال في الحاوي: وهذا كما قال كل معصية وجب بها الحد في دار الحرب على المسلم أو الذمي سواء كان فيها الإمام أو لم يكن.
وقال أبو حنيفة: يجب بها الحد إن كان الإمام فيها ولا يجب إن لم يكن فيها احتجاجًا يقول النبي صلى الله عليه وسلم:" منعت دار الإسلام ما فيها، وأباحت دار الشرك ما فيها" وفرق بين الدارين في الإباحة والحظر كما فرق بينهما في السبي والقتل فأوجب ذلك وقوع الفرق بينهما في وجوب الحد.
ودليلنا عموم الآيات في الحدود الموجبة للتسوية بين دار الإسلام ودار الحرب قول النبي صلى الله عليه وسلم:" من أتى من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله فإنه من بيد لنا صفحته نقم حد الله عليه" فعم ولم يخص، ولأنها حدود تجب في دار الإسلام فاقتضى أن تجب بغيبة الإمام كدار الإسلام ولأنه لما استوت الداران في تحريم المعاصي وجب أن تستويا في لزوم الحدود، ولأنه لما لم تختلف أحكام العبادات من الصلاة والزكاة، والصيام باختلاف الدارين وجب أن لا تختلف أحكام المعاصي باختلاف الدارين.
فأما الخبر فمحمول على إباحة ما تصح استباحته من الأموال والدماء وليس بمحمول على ما لا يجوز
استباحته من الكبائر والمعاصي.
فصل:
فإذا ثبت وجود الحدود، فيها نظر، فإن لم يكن في دار الحرب من يستحق إقامتها أخرت إلى دار الإسلام حتى يقيمها الإمام، وإن كان في دار الحرب من يقيمها وهو الإمام، أو من ولاه الإمام إقامتها من ولاة الثغور والأقاليم نظر، فإن كان له عذر يمنعه من إقامتها لتشاغله بتدبير الحرب، أو لحاجته إلى قتال المحدود أخر حده إلى دار الإسلام وإن لم يكن له عذر قدم حده في دار الحرب، وليس ما ذكره المزني عن الشافعي من اختلاف جوابه فيه محمولًا على اختلاف قولين وإنما هو على ما ذكرناه من اختلاف حالين.
وقال أبو حنيفة: لا تجوز إقامة الحدود في دار الحرب، وعلى الإمام تأخيرها