احتجاجاً بما روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى أمراء الأجناد أن لا يقيموا الحدود في دار الشرك حتى يعودوا إلى دار الإسلام، ولا يؤمن أن يتداخله من الأنفة والحمية ما يبعثه على الردة اعتصامًا بأهل الحرب ودليلنا قول النبي صلى الله عليه وسلم:" فإنه من يبد لنا صفحته نقم حد الله عليه" ولم يفرق، ولأن لله تعالى عليهم حقوقًا من عبادات، وحدود في معاص، فإذا لم تمنع دار الشرك من استيفاء حقوقه لم تمنع من إقامة حدوده.
فأما الجواب عن خبر عمر إن صح فهو أنه أمر بذلك لئلا يقع التشاغل بإقامتها عن تدبير الحرب وجهاد العدو.
وقوله: إنه ربما بعثته الحمية على الردة، فلو كان لهذا المعنى لا تقام عليهم الحدود لما أقيمت على أهل الثغور، ولما استوفيت منهم الحقوق، ولأفضى إلى تعطيل الحدود وإسقاط الحقوق وهذا مدفوع.
فصل:
فأما حقوق الآدميين المستهلكة عليهم في دار الحرب، فإن كانت لأهل الحرب فهي مباحة بالكفر والمحاربة لا تضمن أموالهم، ولا نفوسهم، وإن كانت للمسلمين فضربان: أموال، ونفوس. فأما الأموال فيأتي ضمانها. وأما النفوس كمسلم قتل مسلمًا في دار الحرب، فهذا على ضربين:
أحدهما: أن يكون في حرب، وقد مضى حكمه وذكرنا أقسامه.
والثاني: يكون في غير حرب فضربان:
أحدهما: أن لا يعلم بإسلامه فينظر في قتله، فإن قتله خطأ ضمنه بالكفارة دون الدية، لقول الله تعالى: {فَأن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ}. وإن قتله عمدًا فلا قود عليه
للشبهة وعليه الكفارة وفي وجوب الدية قولان:
أحدهما: وهو اختيار المزني- لا دية عليه- لأن الجهل بإسلامه يغلب حكم الدار في سقوط ديته كما غلب حكمها في سقوط القود.
والوجه الثاني: وهو اختيار أبي إسحاق المروزي- ضمن ديته تغليباً لحكم قصده ولا يؤثر سقوط القود الذي يسقط بالشبهة في سقوط الدية التي لا تسقط بالشبهة.
والضرب الثاني: أن يقتله عالماً بإسلامه فيلزمه يقتله في دار الحرب ما كان لازمًا له بقتله في دار الإسلام إن كان بعمد محض وجب عليه القود، والكفارة وإن كان بعمد الخطأ وجبت عليه الدية مغلظة والكفارة وإن كان بخطأ وجبت عليه الدية مخففة والكفارة ولا فرق بين من دخل دار الحرب مسلمًا أو أسلم فيها سواء هاجر أو لم يهاجر. وقال أبو حنيفة: لا قود في قتل المسلم في دار الحرب، إذا لم يكن فيها إمام، فأما الدية فإن