إليها ثانية إلا على وجه الاستظهار، والإنذار وجاز أن يبدأ بقتالهم زحفًا ومصافة وجاز أن يبدأ به غرة وبياتًا قد شن رسول الله صلى الله عليه وسلم الغارة على بني المصطلق وهم غارون في نعمهم بالمريسيع فقتل المقاتلة وسبى الذرية، وقال حين سار إلى فتح مكة اللهم أطوا خبرنا عنهم حتى لا يعلموا بنا إلا فجأة لما قدمه من استدعائهم فلم يعلموا به حتى نزل عليهم.
والثاني: من الكفار من لم يبلغهم دعوة الإسلام، قال الشافعي:" ولا اعلم أحدًا اليوم من المشركين، من لم يبلغه الدعوة إلا أن يكن خلف الذين يقاتلوه أمة من المشركين خلف الترك والخزر لم تبلغهم الدعوة". وهذا وإن كان بعيدًا في وقت الشافعي فهو الآن أبعد، لأن الإسلام في زيادة تحقيقًا لقول الله تعالى: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} فإن جاز أن يكون الآن قوم لم تبلغهم الدعوة لم يجزا الابتداء بقتالهم إلا بعد إظهار الدعوة لهم واستدعائهم بها إلى الإسلام ودمائهم قبل ذلك محقونة وأموالهم محظورة قال الله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً}. وقال الله تعالى: {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} وعلى هذا كانت سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في المشركين.
روى سليمان بن بريدة عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعثت أميرًا على جيش، أو سرية وأمره بتقوى الله تعالى في خاص نفسه ومن معه من المسلمين وقال:" إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، وإن أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية، فإن أجابوك فاقبل منهم، وكف عنهم، وإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم"
فصل:
فإذا ثبت وجوب إنذارهم بالدعوة قبل قتالهم أنفسهم ما تضمنته دعوتهم ثلاثة أقسام:
أحدها: ما هم فيه محجوبون بعقولهم دون السمع، وهو معجزات الرسل وجججهم الدالة على صدقهم في الرسالة.
والثاني: ما هم فيه محجوبون بالسمع دون العقل، وهو ما تضمنه التكليف من أمر ونهي.
والثالث: ما اختلف فيه وهو التوحيد هل هم فيه محجوبون بالعقل، أو بالسمع على وجهين لأصحابنا مع تقدم خلاف المتكلمين فيه:
أحدهما: وهو قول أبي علي بن أبي هريرة، وزعم أنه من الظاهر من مذهب