أحدها: أن يكون قويًا على مقاومة من برز إليه بقوة جسمه، وفضل شجاعته وظهور عدته، فإن ضعف عنه لم يجزه.
فإن قيل: فلو تعرض بعض المسلمين للشهادة جاز، وإن كان ضعيفًا فهلا كان المبارز كذلك، قلنا: لأن المقصود بالمبارزة ظهور الغلبة، فلم يتعرض لها إلا من وثق بنفسه فيها، والمقصود بالشهادة فضل الثواب فجاز أن يتعرض لها من شاء.
والثاني: أن لا يدخل بقتل المبارزة ضرر على المسلمين؛ لهزيمة تنكؤهم أو لأنه أميرهم الذي تختل بفقده أمورهم، فإن كان كذلك لم يجز أن يبارز.
والثالث: أن يستأذن أمير الجيش في برازه، ليكون ردءًا له وعونًا، ولفضل علمه بالمبارزة، ومن برز إليه فإن لم يأذن له كف، وإن أذن له أقدم.
مسألة:
قال الشافعي رحمه الله: "فإذا بارز مسلم مشركًا أو مشرك مسلمًا على أن لا يقاتله غيره وفى بذلك له فإن ولي عنه المسلم أو جرحه فأثخنه فلهم أن يحملوا عليه ويقتلوه لأن قتالهما قد انقضى ولا أمان له عليهم إلا أن يكون شرط أنه آمن حتى يرجع إلى مخرجه من الصف فلا يكون لهم قتله ولهم دفعه واستنقاذ المسلم منه فإن امتنع وعرض دونه ليقاتلهم قاتلوه لأنه نقض أمان نفسه أعان حمزة عليا على عتبة بعد أن لم يكن في عبيدة قتال ولم يكن لعتبة أمان يكفون به عنه ولو أعان المشركون صاحبهم كان حقًا على المسلمين أن يعينوا صاحبهم ويقتلوا من أعان عليه ولا يقتلون المبارز ما لم يكن استنجدهم"
قال في الحاوي: وهذا صحيح وإذا بارز مسلم مشركًا إما داعيًا أو مجيبًا فهذا على ضربين:
أحدهما: أن لا يكون للمشرك المبارز شرط فيجوز للمسلمين أن يقاتلوه مع المبارز منهم ويقتلوه؛ لأنه على أصل الإباحة، وإن اختص بالمبارزة الواحد، قال الشافعي: اللهم غلا أن العادة جارة أن من بارز لا يعرض له حتى يعود إلى صفه، فيحمل على ما جرت به العادة، وتصير العادة كالشرط.
والثاني: أن يكون له شرط فضربان:
أحدهما: أن يشترط أن لا يقاتله غير من برز إليه، فيجب الوفاء بشرطه، لقول الله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} المائدة: 1 وقول النبي صلي الله عليه وسلم: "المسلمون عند شروطهم" فلا يجوز أن يقاتل المشرك ما كان المسلم على قتاله، فإذا انقضى القتال بينهما إما بأن ولي المسلم أو جرح فكف عن القتال، أو ولي المشرك أو جرح فكف عن القتال كان لنا أن نقاتل