المشرك ونقتله، لأن أمانه كان مشروطًا بمدة المقاتلة فانقضى بزوال المقاتلة؛ ولأن شيبة بن ربيعة لما أثخن عبيدة بن الحارث يوم بدر، ولم يبق فيه قتال، مال علي بن أبي طالب، وحمزة بن عبد المطلب على شيبة حتى أجهز عليه.
الضرب الثاني: أن يستظهر في أشراط الأمان لنفسه أن يكون آمنًا حتى يرجع إلى صفه، فيحمل على شرطه ولا يجوز أن يقاتل بعد انقضاء المبارزة، حتى يرجع إلى صفه، وفاء بالشرط إلا أن يكون من المشرك إحدى ثلاث خصال، يبطل بها أمانه:
إحداهن: أن يولي عنه المسلم، فيتبعه، فيبطل أمانه، ويجوز لنا أن نقاتله ونقتله، لأن المبارزة قد انقضت، وأمانه منا مستحق عند أماننا منه، فإذا لم نأمنه لم نؤمنه.
والثانية: أن يظهر المشرك على المسلم، ويعزم على قتله، فيجب علينا أن نستنقذ منه المسلم لما يلزم من حراسة نفسه، فإن قدر على استنقاذه منه بغير قتله لم يجز أن يقتل، وإن لم يقدر على استنقاذه منه إلا بقتله جاز لنا أن نقتله؛ لأنه لا أمان على قتل مسلم.
والثالثة: أن يستنجد المشرك أصحابه من المشركين في معونته على المسلم، فيبطل أمانه؛ لأنه كان مشروطًا بالمبارزة، وقد زال حكمها بالاستنجاد، فإن أعانوه من غير أن يستنجدهم نظر، فإن نهاهم عن معونته فلم ينتهوا كان على أمانه، وكان لنا قتال من أعانه دونه، وإن لم ينههم كان إمساكه عنهم رضًا منه بمعونته له، فصار كاستنجاد لهم في نقص أمانه وجواز قتاله وقتله.
فصل:
وإذا أخذت رؤوس المشركين بعد قتلهم، لتحمل إلى بلاد الإسلام، فقد كره الأوزاعي والزهري ذلك؛ لأن رسول الله صلي الله عليه وسلم لم يفعل ذلك بقتلى بدر.
وروى عقبة بن عامر أنه حمل إلى أبي بكر رضي الله عنه رؤوس من قتل من المشركين في فتح دمشق، فكره ذلك، وقال: تحمل جيف المشركين إلى مدينة الرسول صلي الله عليه وسلم.
وأجاز آخرون ذلك على الإطلاق، وليس للشافعي فيه نص، وذهب أبو حامد الإسفراييني إلى كراهيته، وعندي أن إطلاق الكراهية فيه أو الاستحباب غير صواب، ويجب أن ينظر في نقلها، فإن كان فيه وهن على المشركين أو قوة للمسلمين، فنقلها مستحب؛ لأنه لما لم يكره نقلهم إلى بلاد الإسلام أحياء ليقتلوا بها كان نقل رؤوسهم أقرب، وإن لم يكن في نقلها وهن لمشرك ولا قوة لمسلم كان نقلها مكروهًا، على هذا يحمل نهي أبي بكر رضي الله عنه والله أعلم بالصواب.
باب فتح السوادوحكم ما يوقفه الإمام من الأرض للمسلمين.