فصل:
ولا يجوز للإمام، ولا لوال من قبله يضمن العشر والخراج لأحد من العمال، فإن عقد علي واحد منهما ضمانا كان عقده باطلا لا يتعلق به في الشرع حكم، لأن العامل مؤتمن يستوفي ما وجب، ويؤدي ما حصل لا يضمن نقصانا، ولا يملك زيادة، وضمان الأموال بمقدر معلوم يقتضي الاقتصار عليه، ويملك ما زاد، ويغرم ما نقص، وهذا مناف لوضع العمالة وحكم الأمانة فبطل.
حكي أن رجلا أتي ابن عباس يتقبل منه الأبلة بمائة درهم، فضربه مائة سوط، وصلبه حيا تعزيرا وأدبا.
ولا يجوز تضمين الأرض لأربابها في عشر ولا خراج، لأن العشر مستحق أن زرع، وساقط إلي قطع، والخراج مقدر علي المساحة لا يجوز أن يزاد فيه، ولا ينقص منه، وما هذه سبيله لا يصح تضمينه. فأما إجارتها، فيصح أن يؤجرها أربابها، ولا يصح أن يؤجرها غيرها، لأن حق السلطان فيها قد سقط بخراجها.
فصل:
فأما تفسير كلام الشافعي في أول باب، وهو قوله "لا أعرف ما أقوله في أرض السواد، إلا بظن مقرون إلى علم، فقد أنكر هذا الكلام على الشافعي من وجهين:
أحدهما: قوله: لا أعرف ما أقول في ارض السواد، ما أحد بدأ في كتاب في علم بمثل هذا اللفظ، لأن من لم يعرف شيئا لم يجز أن يتعرض لإثبات حكمه.
والثاني: قوله: إلا بظن مقرون إلي علم، والظن شك والعلم يقين، وهما ضدان فكيف يصح الجمع بينهما، وهو ممتنع؟
قيل: أما قوله: لا أعرف ما أقول في أرض السواد، فلأن الطريق إلي العلم يفتحها النقل المروى، وقد اختلفت الرواية عنه، فروى بعضهم أنها فتحت صلحا، وروى بعضهم أنها فتحت عنوة، وروى آخرون أن بعضها فتح صلحا، وبعضها فتح عنوة.
وهذا الاختلاف في النقل يمنع من الأخذ بأحدها إلا بدليل، فحسن أن يقول: لا أعرف إثبات أحدهما، وإن كنت أعرف نقل جميعها.
وأما قوله "إلا بظن القرون إلي علم"، فقد اختلف أصحابنا في مراده به علي ما هو محمول علي فتحها أو علي حكمها علي وجهين:
أحدهما: أنه محمول علي فتحتها أنه عنوة لا صلحا، وهو المشهور من قوله.
والثاني: أنه محمول علي حكمها أنها وقف لا يجوز بيعها، وهو الظاهر من مذهبه.
فإن قيل: إن المراد فتحها، ففي تأويل قوله: "إلا بظن مقرون إلي علم" وجهان:
أحدهما: أنه أراد بالظن هنا الاجتهاد الذي هو غلبة الظن وأراد بالعلم الخبر، لأن