فصل:
فإذا تقرر توجيه أحد القولين، فإن قيل بالأول منهما: إنه ليس لهم كتاب جاز إقرارهم على الجزية بالسنة والإجماع ولم يجز استباحة مناكحهم، ولا أكل ذبائحهم.
وإن قيل بالثاني: إنهم أهل كتاب ففي استباحة مناكحهم، وأكل ذبائحهم وجهان حكاهما أبو إسحاق المروزي:
أحدهما: يحل نكاح نسائهم، وأكل ذبائحهم لثبوت كتابهم، ولأن حذيفة بن اليمان نكح مجوسية بالعراق، وهذا قول أبي ثور.
والثاني: وهو أظهر أنه لا تحل نساؤهم، ولا أكل ذبائحهم، وإن كانوا أهل كتاب: لأن كتابهم رفع، فارتفع حكمه، وقد روي عن إبراهيم الحربي، مع ما انعقد عليه إجماع الأعصار أنه قول بضعة عشر من الصحابة، وما علمنا مخالفًا من المسلمين حتى بعث نبي من الكرخ يعني أبا ثور يريد أنه لما تفرد بقول خالف فيه من تقدمه صار كنبي يشرع الأحكام.
مسألة:
قال الشافعي - رحمه الله -: " والصابئون والسامرة مثلهم يؤخذ من جميعهم الجزيةً ولا تؤخذ الجزية من أهل الأوثان ولا ممن عبد ما استحسن من غير أهل الكتاب ".
قال في الحاوي: أما الصابئة، فطائفة تنضم إلى النصارى، والسامرة طائفة تنضم إلى اليهود، ولا يخلو حال انضمامهما إلى اليهود والنصارى من خمسة أقسام:
أحدها: أن نعلم أنهم يوافقون اليهود والنصارى في أصول دينهم، وفروعه، فيجوز أن يقروا بالجزيةً، وتنكح نساؤهم، وتؤكل ذبائحهم.
والثاني: أن يخالفوا اليهود والنصارى في أصول دينهم وفروعه، فلا يجوز إقرارهم بالجزية، ولا تستباح مناكحهم، ولا تؤكل ذبائحهم كعبدة الأوثان.
والثالث: أن يوافقوا اليهود والنصارى في أصول دينهم، ويخالفوهم في فروعه، فيجوز أن يقروا بالجزيةً، وتستباح مناكحهم، وأكل ذبائحهم: لأن الأحكام تجري على أصول الأديان، ولا يؤثر الاختلاف في فروعها كما لم يؤثر اختلاف المسلمين في فروع دينهم.
والرابع: أن يوافقوا اليهود والنصارى في فروع دينهم، ويخالفوهم في أصوله، فلا يجوز أن يقروا بالجزية، ولا تستباح مناكحهم، ولا أكل ذبائحهم تعليلًا باعتبار الأصول في الدين.
والخامس: أن يشكل أمرهم، ولا يعلم ما خالفوهم فيه، ووافقوهم عليه من أصل