وفرع، فيقروا بالجزيةً حقنا لدمائهم، ولا تنكح نساؤهم، ولا تؤكل ذبائحهم تغليبا للحظر في الأمرين كالذي قلناه فيمن أشكل دخوله في اليهوديةً والنصرانيةً، هل كان من المبدلين.
فإن أسلم اثنان من الصابئين والسامرة، فشهدوا بما وافقوا عليه اليهود والنصارى من أصل وفرع حكم بشهادتهما، وأجري عليهم حكمها، ولا يراعى في هذه الشهادة عدد التواتر، ويراعى عدد التواتر فيمن ادعوا أن لهم كتابًا غير التوراةً والإنجيل؛ لأن هذا إخبار عن أصل دين مجهول، فراعينا فيه خبر التواتر والاستفاضةً، ومعتقد الصابئين والسامرةً دين معروف يعول في صفته على الشهادةً فافترقا، وقد قال ابن أبي هريرة: إن السامرةً من نسل السامري، وإنهم اعتزلوا عن اليهود بأن يقولوا لا مساس، فإن كان هذا صحيحًا فهم من بني إسرائيل يحل نكاح نسائهم، وأكل ذبائحهم.
وقال أبو سعيد الإصطخري في الصابئين: إنهم يقولون: إن الملك حي ناطق وإن الكواكب السبعة آلهةً، واستفتي فيهم في أيام القاهر فأفتى، فهم القاهر بقتلهم، إن لم يسلموا، فاستدفعوا القتل ببذل مال جزيل، فإن كانوا على ما حكاه أبو سعيد فهم كعبدة الأوثان، لا يجوز أن يقروا بالجزية، ولا تستباح مناكحهم، ولا يحل أكل ذبائحهم، والله أعلم.
باب الجزية على أهل الكتاب والضيافة وما لهم وعليهمقال الشافعي - رحمه الله تعالى -: " أمر الله تعالى بقتال المشركين من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، قال: والصغار أن تؤخذ منهم وتجرى عليهم أحكام الإسلام ".
قال في الحاوي: اعلم أن ما تحقن به دماء المشركين ينقسم أربعة أقسام: هدنةً، وعهد، وأمان، وذمةً.
فأما القسم الأول: وهو الهدنة تعريفها: فهو أن يوادع أهل الحرب في دارهم على ترك القتال مدة أكثرها عشر سنين، كما هادن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قريشًا عام الحديبيةً، فلا يجوز أن يتولى عقدها إلا الإمام أو من يستنيبه فيها عند الحاجة إليها وظهور المصلحة فيها.
ويجوز أن يعقد على مال يؤخذ منهم إذا أمكن وعلى غير مال إذا تعذر، وعلى مال يدفع إليهم عند الضرورة كالذي هم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عام الخندق حين تمالأت عليه قريش، وغطفان والأحابيش أن يعطيهم شطر ثمار المدينة، لينصرفوا عنها، فقال أهلها من الأنصار: يا رسول الله، إن كنت تفعل هذا بوحي من السماء فالسمع والطاعة، وإن كان رأيا رأيته فوالله ما كنا نعطيهم في الجاهلية تمرةً إلا قرى أو شرًا: فكيف وقد أعزنا الله بالإسلام: فلما عرف قوة أنفسهم كف، وصابرهم على القتال حتى انصرفوا، فكان فيما هم بفعله من ذلك دليل على جوازه.