جزيتهم، ولا يؤخذ الرجال إلا بجزية أنفسهم دون نسائهم.
فصل:
وأما المجانين فلا جزية عليهم لارتفاع القلم عنهم، وأنهم في جملة الذراري ولا يقتل المجنون إذا سبي، هذا إذا كان جنونه مطبقا، فأما إذا جن في زمان، وأفاق في زمان، فقد قال أبو حنيفة: يراعي فيه أغلب حالتيه.
فإن كان المجنون أكثر، فلا جزية، وإن كان أقل، فعليه الجزية.
ومذهب الشافعي يلفق زمان الإفاقة قل أو كثر يستكمل حولا، فإن كان يجن يوما ويفيق يوما أخذت منه جزية سنة من سنتين وإن كان يجن يومين ويفيق يوما أخذت منه جزية سنة من ثلاث سنين، وإن كان يجن يوما، ويفيق يومين أخذت منه جزية سنة من سنة ونصف، ثم علي هذا القياس، لأنه لما اختلف حكم الإفاقة، وحكم الجنون كان تميزها أولي من تغليب أحدهما، لأن في التمييز جمعا بين الحكمين وفي تغليب الأكثر إسقاط أحدهما.
فصل:
وأما العبيد، فلا جزية عليهم، لما روي عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: "لا جزية علي العبيد".
وقال عمر: لا جزية علي مملوك. ولأنهم تبع لساداتهم، ولأنهم لا يملكون، فكانوا أسوأ حالا من الفقراء، ولأنهم مماليك، فكانوا كسائر الأموال، وكذا لا جزية علي مدبر، ولا مكاتب، ولا أم ولد، لأنهم عبيد، ولا جزية علي من بعضه حر وبعضه مملوك، لأن أحكام الرق عليه أغلب.
وقيل: إنه يؤدي من الجزية بقدر ما فيه من الحرية، لأنه يملك بها، فإذا أعتق العبد علي كفره، وكان من أهل الكتاب اسؤنفت جزيته، وسواء أعتقه مسلم أو كافر.
وقال مالك: إن عتقه مسلم، فلا جزية عليه، لحرمة ولائة، وهذا خطأ، لأن حرمة النسب أغلظ، ولا تسقط الجزية بإسلام الأب، فكان أولي أن لا تسقط بإسلام المعتق، لكن إن كان المعتق مسلما استؤنفت جزيته عن مراضاة، وإن كان معتقه ذميا، ففيها ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه يلزمه جزية معتقه، لأنها لزمته بعتقه.
والثاني: يلزمه جزية عصبته، لأنهم أخص بميراثه ونصرته.