والثالث: أنه لا يلزمه إلا ما استأنف الصلح عليه بمراضاته، ليفرده بها من غيره فإن امتنع منها بنذر إليه عهده، ثم صار حرا، وعلي الوجهين الأولين تؤخذ منه جبرا.
فصل:
وأما الصبيان، فلا جزية عليهم لارتفاع القلم عنهم، ولأن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال لمعاذ: "خذ من كل حالم دينارا" فدل علي سقوطها عن غير الحالم، ولأنهم من غير أهل القتال، ولأنهم يسترقون إذا سبوا، فصاروا أموالا، فإذا بلغوا وجبت عليهم الجزية.
والظاهر من مذهب الشافعي أنهم لا يلتزمون جزية آبائهم من غير استئناف عقد معهم، لأنهم خلف لسلفهم.
وقال أبو حامد الإسفراييني: لا تلزمهم جزية آبائهم، ويستأنف معهم عقدها عن مراضاتهم، إما بمثلها أو بأكثر أو أقل إذا لم ينقص عن الدينار، وهذا وهم فيه يفسد من وجهين: مذهب، وحجاج.
أما المذهب: فإن الشافعي قد جعل جزية الولد إذا اختلفت جزية أبوية أن جزيته جزية أبيه دون أمه.
وأما الحجاج: فمن وجهين:
أحدهما: أنهم لما كانوا تبعا لآبائهم في أمان الذمة كانوا تبعا لهم في قدر الجزية.
والثاني: أن عقد الذمة مؤبد، وهذا يجعله مؤقتا يلزم استئنافه مع بلوغ كل ولد، وفيه أعظم مشقه، وما فعله أحد من الأئمة.
فأما البلوغ: فيكون بالاحترام، وباستكمال خمس عشرة سنة، ويحكم ببلوغه بإنبات الشعر، لأن سعد بن معاذ حكم في بني قريظة أن من جرت عليه المواسي قتل، ومن لم تجر عليه استرق.
فقال النبي صلي الله عليه وسلم: "هذا حكم الله من فوق سبعة أرقعة".
وهل يكون ذلك بلوغا فيهم كالسن والاحتلام، أو يكون دليلا علي بلوغهم، فيه قولان مضيا.
فصل:
فإذا تقرر ما وصفنا، وبلغ الصبي، وأعتق العبد، وأفاق المجنون نظر.
فإن كان ذلك في أول الحول: فقد ساووا أهل دينهم في حول جزيتهم، وإن كان ذلك في تضاعيف الحول مثل أن يكون قد مضي من الحول نصفه قيل لهم: لا يمكن أن يستأنف لكم حول غير حول أهل دينكم لأنه شاق، وأنتم بالخيار إذا حال حول الجماعة وقد مضي لكم من الحول نصفه بين أن تعطوا جزية نصف سنة ثم يستأنف لكم الحول مع