اشتراطها، عزروا عليها، ولم ينتقض بها عهدهم.
والثاني: أنها تلزم بالشرط، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الإسلام يعلو ولا يعلى عليه" فعلى هذا إذا خالفوها بعد الشرط، فعلى انتقاض عهدهم بها قولان على ما مضى.
فأما القسم الخامس: وهو ما لا يجب بعقد، ولا شرط، وهو ما زاد على إذلالهم. وذلك ستة أشياء:
أحدها: أن لا يعلو أصواتهم على المسلمين.
والثاني: أن لا يتقدوا عليهم في المجالس.
والثالث: لا يضايقوهم في الطريق، ولا يمشوا فيها إلا أفرادًا متفرقين.
والرابع: أن يبدؤهم بالسلام، ولا يساووهم في الرد، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اضطروهم إلى أضيق الطرق، ولا تبدءوهم بالسلام".
والخامس: إذا استعان بهم مسلم فيما لا يستضروا به أعانوه.
والسادس: أن لا يستبدلوا المسلمين من مهن الأعمال بأجر ولا تبرع. فهذه الستة تشترط عليهم إذلالًا لهم، فإن خالفوها لم ينتقض بها عهدهم، وجبروا عليها، إن امتنعوا منها، فإن أقاموا على الامتناع عزروا.
فصل:
فإذا تقرر ما ينتقض به العهد، ولا ينتقض، فإن لم ينتقض به عهدهم أخذوا بما وجب عليهم من الحقوق، وأقيم من قتل، ولزمه من حدّ، وقوموا به من تأديب وإن انتقض عهدهم، نظر حالهم بعد نقضهم، فإن قاتلوا بطل أمانهم، وكانوا حربًا يقتلون، ويسترقون، وإن لم يقاتلونا ففي بطلان أمانهم بانتقاض عهدهم قولان:
أحدهما: نص عليه في كتاب الجزية أن أمانهم لا يبطل بنقض العهد، لأنه مستحق في عقد، فالتزمنا حكمه، وإن لم يلتزموه.
ولا يجوز بعد نقض العهد أن يقروا في دار الإسلام لزم أن يبلغوا مأمنهم، ثم يكونوا بعد بلوغ مأمنهم حربًا.
والثاني: نص عليه في كتاب النكاح من الأم أن أمانهم قد بطل، لأنه مستحق بالعهد، فبطل بانتقاضه ما استحق به كسائر العقود، فعلى هذا قد صاروا ببطلان الأمان حربًا، يجري عليهم حكم الأسرى إما الاسترقاق أو المنّ، أو الفداء، فلو أسلموا قبلها سقطت عنهم، ولم يجز أن يسترقوا، ويفادوا إسلامهم، وإن جاز استرقاق الأسير المحارب بعد إسلامه، لأن لهؤلاء أمانًا متقدمًا لم يكن للأسير، فصار حكمهم به أضعف وأخف من الأسير.