وأما أمان ذراريهم من النساء والصبيان، ففي بطلان أمانهم وجهان:
أحدهما: يبطلن لأنهم تبع في لزومه، فكانوا تبعًا في بطلانه، فيصيروا سببًا.
والثاني: وهو أظهر - أن أمانهم لا يبطل لاستقراره فيهم، فلم يبطل ببطلانه في غيرهم، فلا يجوز أن يسبوا، ويجوز إقرارهم في دار الإسلام، فإن سألوا الرجوع لدار الحرب أعيد الصبيان، لأن لا حكم لاختيار من لم يبلغ، وأقام الصبيان حتى يبلغوا، ثم يخاطبوا بالجزية، فإن التزموها استؤنف عهدهم عليها، وإن امتنعوا منها بلغوا مأمنهم، ثم كانوا حربًا، فإن لم يبلغ الصغار مطلبهم أهلوهم من دار الحرب نظر.
فإن كان طالبهم هو المستحق لحضانتهم أجيب إلى ردهم عليه، وإن كان غير المستحق لحضانتهم منع منهم.
مسألة:
قال الشافعي: "ولا يحدثوا في أمصار الإسلام كنيسة ولا مجمعًا لصلاتهم ولا يُظهروا فيها حمل خمرٍ ولا إدخال خنزيرٍ".
قال في الحاوي: وهذا قد دخل في جملة القسم الثالث من منكراتهم، فيمنعوا من إحداث البيع والكنائس في أمصار المسلمين، لما روي مسروق عن عبد الرحمن بن غنم قال: لما صالح عمر بن الخطاب نصارى الشام كتب لهم كتابًا، فذكر فيه أنهم لا يبنون في بلادهم، ولا فيما حولها ديرًا ولا كنيسة، , ولا صومعة راهب وأن لا يمنعوا المارة من المسلمين وأبناء السبيل، وأن لا يجدوا ما خرب منها - ذكره أبو الوليد في المخرج على كتاب المزني، ولأن إحداثها معصية، لاجتماعهم فيها على إظهار الكفر، ولذلك أبطلنا الوقوف على البيع والكنائس، وعلى كتب التوراة والإنجيل، ولأنهم يقتطعون ما بنوه من غير إظهار الإسلام فيها، ويجب أن يكون الإسلام في دار الإسلام ظاهرًا، فلهذه الأمور الثلاثة منعوا.
فإذا تقرر أن حكم بلاد الإسلام موضوعة على هذا لم يخل حالهم من ثلاثة أقسام:
أحدها: ما أحياه المسلمون.
والثاني: ما فتحوه عنوة.
والثالث: ما فتحوه صلحًا.
فأما القسم الأول: وهو ما ابتدأ المسلمون إنشاءه في بلاد الإسلام من موات لم يجر عليه ملك كالبصرة والكوفة، فلا يجوز أن يصالح لأهل الذمة في نزولها على إحداث بيعة ولا كنيسة فيها، لأنه لا يجوز أن يصالحوا على ما يمنع من الشرع، ويكون خارجًا