والثاني: يمنعون في جميع المصر أن يتطاولوا بالاستعلاء علي أهل المصر. وإن كان مجاورهم في موضعهم من أهل دينهم جاز لهم أن يتطاولوا فيه بأبنيتهم، فيعلو بعضهم علي بعض كما يعلو بعض المسلمين علي بعض، وهل يمنع جميعهم أن يعلو بأبنيتهم علي أبنية من لا يجاورهم من المسلمين في المصر أو لا؟ علي الوجهين المتقدمين.
وإن كان مجاورهم في موضعهم أهل ذمة علي غير دينهم كاليهود مع النصارى، ففيه وجهان:
أحدهما: أنه يجوز أن يتعالي بعضهم علي بعض في الأبنية، لأن جمعيهم أهل ذمة.
والثاني: يمنع بعضهم على بعض إذا استعدونا، ولا يمنعون من المساواة، لأن علينا أن نمنع كل صنف منهم مما نمنع به أنفسنا.
وأما القسم الثاني: من مساكنهم أن تكون قديمة الأبنية، إما لأنهم سكنوها قبل صلحهم، أو لأنهم اشتروها من مسلم بعد الصلح، فيجوز إقرارهم عليها، وإن استعلوا بها علي المسلمين، كما نقرهم علي ما تقدم من البيع والكنائس، وإن منعوا من استحداثها، لكنهم يمنعون من الإشراف على المسلمين، وأن لا يعلوا على سطوحها إلا بعد تحجيرها، وإن لم يؤمر المسلم بتحجير سطحه من جاره، ويمنع من صبيانهم م الإسراف، وإن لن يمنع صبيان المسلمين من الإشراف، فيصيروا مأخوذين من المنع من إشرافهم علي المسلمين كما يؤخذ المسلم بالمنع من إشرافه علي جاره المسلم، ويؤمر بالتحجير، وإن لم يؤمر به المسلم، لأن المسلم مأمون وهم غير مأمونين.
وأما القسم الثالث: وهو أن يعيدوا أبنية مساكنهم بعد استهدامها، ففيها وجهان:
أحدهما: أنهم يصيرون كالمستأنفين لبنائها، فيمنعوا من الاستعلاء بها علي المسلمين، وإن كانت عالية قبل هدمها وهذا علي الوجه الذي يمنعون من إعادة بيعهم وكنائسهم إذا استهدمت.
والثاني: أنهم لا يمنعون من إعادتها بعد الهدم إلي ما كانت عليه قبل الهدم من العلو الطائل، وهذا علي الوجه الذي تقول فيه أنهم لا يمنعون من إعادة بيعهم وكنائسهم إذا استهدمت.
فأما إذا أرادوا أن يرتفقوا في أبنيتهم بإخراج الرواشين والأجنحة إلي طرق السابلة ففيها وجهان:
أحدهما لا يمنعون ارتفاقهم بها كالمسلمين، لاشتراكهم في استطراقها.
والثاني: يمنعون منها، وإن لم يمنع منها المسلمون، لأنها طرق المسلمين دونهم كما يمنعون من إحياء الموات الذي لا يمنع منه المسلم، وهكذا القول في آثار حشوشهم