الشام أن لا يجددوا ما خرب منها.
والثاني: يجوز لهم إعادة بنائها استصحابا لحكمها، وأن الأبنية لا تبقي علي الأبد، فلو منعوا من بنائها بطلت عليهم.
والصحيح عندي من إطلاق هذين الوجهين أن ينظر في خرابها، فإن صارت دراسة متسطرفة كالموات منعوا من بنائها، لأنه استئناف إنشاء، وإن كانت شعثة باقية الآثار والجدران جاز لهم بناؤهم، ولو هدموها لاستئنافها لم يمنعوا، لأن عمارة المستهدم استصلاح وإنشاء الدارس استئناف.
مسألة:
قال الشافعي: "ولا يحدثون بناء يتطولون به بناء المسلمين"
قال الحاوي: اعلم أنه لا تخلو مساكنهم في بلاد الإسلام من ثلاثة أقسام:
أحدهما: أن يستأنفوا بناءها.
والثاني: أن يستديموا سكناها.
والثالث: أن يعيدوا بناءها.
فأما القسم الأول: وهو أن يستأنفوا بناءها بعد العهد، فلا يخلو مجاورهم في موضعهم من مصر في ثلاثة أحوال:
أحدهما: أن يكونوا مسلمين.
والثاني: أن يكونوا من أهل دينهم.
والثالث: أن يكونوا أهل ذمة من غير دينهم.
فإن كان مجاورهم مسلمين، لم يكن لهم أن يعلوا بأبنيتهم علي أبنية المسلمين، فيطولوا علي أبنيتهم لقول النبي صلي الله عليه وسلم "الإسلام يعلو ولا يعلي" فإن علوا بأبنيتهم هدمت عليهم، وهل يمكنون من مساواتهم في الأبنية أم لا؟ علي وجهين:
أحدهما: يمكنون من المساواة، لأنه قد أمن الاستعلاء والاستشراف.
والثاني: يمنعون من المساواة حتى تنقص أبنيتهم عن أبنية المسلمين كما يمنعون من المساواة في اللباس والركوب، لقوله صلي الله عليه وسلم "الإسلام لا يعلو ولا يعلي".
وهل يراعي المنع من الاستعلاء في موضعهم من المصر أو في جميعه علي وجهين:
أحدهما: في موضعهم الذي هم فيه جيرة، لأن ما بعد عنهم، فقد أمن إشرافهم عليه.