فصل:
فإذا تقررت هذه المقدمة، فصورة مسألتنا: أن يهادنهم على أن يرد عليهم من جاءنا مسلمًا منهم فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشًا في الحديبية على هذا، فنذكر حكمها في صلحه ثم نذكره في صلحنا.
أما حكمها في صلحه، فقد كانت هدنة بالحديبية معقودة على هذا أن يرد عليهم من جاء مسلمًا منهم، فجاءه أبو جندل ابن سهيل بن عمرو مسلمًا فقال له سهيل: هذا ابني أول من أقاضيك عليه، فرد إليه، وقال لأبي جندل: قم تم الصلح بيننا، وبين القوم فاصبر حتى يجعل الله لك فرجًا ومخرجًا، ثم رده بعده عياش بن أبي ربيعة، وأبا بصير، فرد هؤلاء الثلاثة من الرجال، ثم جاءت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط مسلمة، فجاء أخواها في طلبها، عمارة والوليد ابنا عقبة، وجاءت سعيدة زوجة صيفي بن الراهب مسلمة، فجاء في طلبها، وجاءت سبيعة بنت الحارث الأسلمية مسلمة، فجاء زوجها واسمه مسافر من قومها في طلبها، وقالوا: يا محمد قد شرطت لنا رد النساء وطين الكتاب لم يجف، فاردد علينا نساءنا فتوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ردهن توقعًأ لأمر الله تعالى فيهن حتى نزل قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا جَاءَكُمُ المُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإيمَانِهِنَّ فَإنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الكُفَّارِ} الممتحنة 10 الآية، والتي بعدها، فامتنع حينئذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من ردهن، ومن رد النساء كلهن، ولم يمتنع من رد الرجال؛ لوقوع الفرق بين الرجال والنساء من وجهين:
أحدهما: أن الرجال أثبت من النساء، وأقدر على التوبة إن أكرهوا على الكفر.
والثاني: أن النساء ذوات الأزواج يحرمن على أزواجهن من الكفار، ولا يقدرون على الامتناع منهم والرجال بخلافهن، فلهذين وقع الفرق في الرد بين الرجال والنساء، فرد الرجال، ولو يرد النساء، والله أعلم.
فصل:
ونحن نبدأ بشرع ما تضمنته الآية من تفسير وقفه.
أما قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا جَاءَكُمُ المُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} الممتحنة 10 ففيما يمتحن به وجهان:
أحدهما: بأن يشهدن بأن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله.
والثاني: بما في السورة من قوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا جَاءَكَ المُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} الممتحنة 12 الآية، ثم قال: {اللَّهُ أَعْلَمُ بِإيمَانِهِنَّ} الممتحنة 10 يعني