والثاني: يعني: فعاقبتم الذين لحقت المرتدة بهم من الكفار، وفيما أريد بمعاقبتهم وجهان:
أحدهما: إصابة العاقبة منهم بالقتل والسبي والغنيمة فيدفع من غنائمهم مهر من ارتد إليهم.
والثاني: أنه كما يوجب عليهم مهر من ارتد إليهم، ووجب لهم مهر من أسلم أيضًا جعل ذلك قصاصًا تساويًا ورد فعل إن زاد فيكون معنى "فعاقبتم" أن تقاصصتم، وهو على الوجه الأول من العقب.
فصل:
وإذا كان الله تعالى قد منع رسوله بهذه الآية من رد النساء إذا أسلمن دون الرجال، وأوجب لأزواجهن مهورهن، فقد اختلف العلماء وأصاحبنا معهم: هل اشترط في عقد هدنته رد من أسلم من الرجال والنساء أو جعله منصورًا على الرجال دون النساء؟ على ثلاثة أقاويل:
أحدها: إنه خرج في شرطه أن يرد من أسلم من الرجال دون النساء؛ لأنه لا يجوز أن يشترط لهم ما لا يجوز، ولكن سألوه لما أسلم من نسائهم من أسلم أن يجريهم في الرد مجرى الرجال، ليمن عليهن برده؛ لظنهم أن ردهن جائز، فأنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم المنع من ردهن؛ ليكون حجة لرسوله صلى الله عليه وسلم من الامتناع، وإن كان ممتنعًا منه، وجعل رد المهر على الأزواج توكيدًا لعقد الهدنة.
والثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق في شرط العقد رد من أسلم؛ ولم يصرح بذكر النساء في رد ولا منع، فكان ظاهر العموم من الشرط اشتماله عليهن مع الرجال، وإن كان تخصيصه محتملًا في دين الله تعالى خروجهن من عمومه، وكذلك كان مراد رسوله صلى الله عليه وسلم.
وتمسكت قريش بظاهر العموم في رد النساء، فأظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم خروجهن من الهموم بما نزل عليه من الاستثناء.
والثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم صرح بردهن في شرط هدنته كما صرح بذكر الرجال حتى منعه الله تعالى من ردهن بهذه الآية، فعلى هذا اختلف أصحابنا في وجه اشتراطه لردهن على ثلاثة أوجه:
أحدهما: أنه كان ذلك منه على وجه السهو، ولولا سهوه عنه، لما أقدم عليه، وقد يسهو كغيره من أمته لكن لا يقره الله تعالى على خطأ، فيكون مساويًا لهم في السهو مباينًا لهم في الإقرار، فنزلت الآية عليه (استدراكاً) لسهوه.