فصل:
فإذا تقرر هذا التفصيل، فالكلام فيه يشتمل على فصلين:
أحدهما: في النساء.
والثاني: في الرجال.
فأما الفصل الأول: في النساء، فليس لهم إلا حال واحدة في المنع من ردهن، فإذا منع الإمام منه نظر في الطالب لهن:
فإن كان غير زوج من ابن أو أخ أو عم، فلا شيء له إذا امتنع؛ لأنه لا يملك عن بضعها بدلاً.
وإن كان الطالب لها زوجها قيل له: إن أسلمت في عدتها كنت على نكاحك لها، وإن لم تسلم منعت منها، ونظر في مهرها، فإن لم يدفعه إليها لم يرجع به، وإن دفعه إليها، فعنى رجوعه به قولان بناء على الاختلاف المتقدم في امتناع رسول الله صلى الله عليه وسلم من ردهن، هل كان لنسخ بعد الإباحة، أو كان مع تقدم الحظر، لأن الله تعالى أوجب رد المهم في عقد هدنته، فكان مستحقًا في منعه، وإن لم يدفعه لم يطال.
فإن قيل: إنه اشترط ردهن مع إباحته، ثم نسخه الله تعالى بعد هدنته، فلا مهمر لزوج المسلمة من بعده، لأنه لا يجوز اشتراط ردها عليه؛ لما استقر من تحريمه.
وإن قيل: إن حظره كان متقدمًا، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشترط ردهن أو شرطه سهوًا أو مضطرًا وجب لزوج المسلمة في هدنة الإمام بعده الرجوع بمهرها؛ لأن ردهن في الحالين محظور، والشرط فيها ممنوع، فصار الفولان في رد المهر مبنيين على هذين:
أحدهما: وهو الأصح، واختاره المزني، وبه قال أبو حنيفة ومالك: لا مهر له، ووجهه شيئان:
أحدهما: أنه لما لم يرجع به غير زوجها أهلها لم يرجع به زوجها كالنفقة والكسوة.
والوجه الثاني: لما لم ترجع زوجة من أسلم بما استحقته من المهم وجب أن لا يرجع زوج من أسلمت بما دفعه المهر، لتكافئهما في النكاح.
والقول الثاني: وبه قال عطاء له الرجوع بالمهر؛ لأمرين:
أحدهما: عموم قوله تعالى: {وآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا} الممتحنة 10، فاقتضى أن يستوي فيه حكم الجميع.
والثاني: أن عقد الهدنة قد أوجب الأمان على الأموال، ويضع الزوجة في حكم