المسلم ماله ودمه، وأن لا يظن به إلا خيرًا" ولأنه لما وجب على الإمام فك الأسير المسلم وجب أن لا يكون عونًا على أسر مسلم.
فأما من كان في عز من قومه، منعة من عشيرته قد أمن من أن يفتن عن دينه أو يستذله، مستطل عليه، جاز رده عليه وصحت الهدنة باشتراط رده.
قدر رد سول الله صلى الله عليه وسلم في هدنة الحديبية أبا جندل بن سهيل بن عمرو على أبيه، ورد عياش بن أبي ربيعة على أهله، ورد أبا بصير على أبيه، وأنهم كانوا ذوي عشيرة، وطلبهم أهلوهم إشفاقًا عليهم، وفادى العقيلي بعد إسلامه برجلين من المسلمين كانا أسرين في قومه، لقوة عشيرته فيهم.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد مراسلة قريش بالحديبية، فعرض على أبي بكر أن يتوجه إليهم، فقال: إني قليل العشيرة بمكة، ولا آمنهم على نفس. فعرض على عمر. فقال مثل ذلك فقال لعثمان: "أنت كثير العشيرة بمكة" فوجهه إليهم، فلما توجه فلقوه الإكرام وقالوا له: طف بالبيت وتحلل من أحرامك، فقال: لا أطوف بالبيت ورسوله الله صلى الله عليه وسلم محصور عن الطواف، فانقلبوا عليه، حتى بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قتل، فبايع أصحابه من أحله بيعة الرضوان تحت الشجرة، فدل هذا على الفرق بين ذي العشيرة المانعة وبين غيره في الرد.
ومثله ما قلناه: في وجوب الهجرة على من أسلم في دار الحرب إن كان ممتنعًا بعشيرته إذا أظهر إسلامه لم تجب عليه الهجرة، وإن كان مستضعفًا وجبت عليه الهجرة، فصار الرد مقصورًا على طائفة واحدة، وهي الممتنعة بيوتها لقوتها والمنع الرد مشتملًا على طائفتين:
أحدهما: جميع النساء من الممتنعات، والمستضعفات.
والثاني: المستضعفون من الرجال، وكذلك الصبيان إذا وصفوا الإسلام عند المراهقة ممنوعة من الرد، وإن كانوا ممتنعين؛ لأنهم قد يفتنون عن دينهم. نص عليه الشافعي، فجعل أبو علي بن أبي هريرة هذا دليلاً على صحة إسلامه قبل بلوغه، وذهب جميع أصحاب الشافعي، وهو ظاهر مذهبه، ومنصوصه في سائر كتبه إن إسلامه لا يصح قبل بلوغه، وإنما منع من رده استظهارًا لدينه حتى يتحقق ما هو عليه بعد بلوغه.
فإن وصف الإسلام رد إن كان ممتنعًا، ولم يرد إن كان مستضعفًا، وإن وصف الكفر حمل على هدنة قومه.
فلو شرط في الهدنة رد من أسلم مطلقًا من غير تفصيل بطلت؛ لأن إطلاقه يقتضي عموم الرد ممن يجوز أن يرد، وممن لا يجز أن يخص عمومه بالعرف فيمن يجوز رده.