قويًا أو ضعيفًا رجلًا كان أو امرأة خيف عليهم منهم أو لم يخف، لأن الهدنة قد أوجبت أمانه منا، ولو توجب أن تؤمنه منهم، واستحق بمطلق الهدنة تمكينهم منهم، واستحق بمطلق الهدنة تمكينهم منهم، ولم يستحق بها أن نقوم برده عليهم إلا أن يشترطوا ذلك علينا، فيلزمنا بالشرط أن نرده بخلاف المسلم الذي لا يجوز أن يرد، ولا يلزمنا أن نعاوضهم عنه.
فإن شرطها في عقد الهدنة، أن نعاوضهم عمن لحق بنا من كفارهم كان الشرط باطلًا؛ لأنه لا يملك أن يبذل أموال المسلمين عن المشركين للمشركين.
وأما الضرب الثاني: والضعفاء فلا يلزم معاوضة الطالب في دفعه عن المطلوب بخلاف النساء في حقوق الأزواج؛ لأن رقبة الحر ليست بمال يصح فيه المعاوضة بخلاف بضع الحرة، فإن كان المطلوب عبدًا غلب على سيده، وهاجر مسلمًا، فهذا على ضربين:
أحدهما: أن يغلب على نفسه قبل إسلامه، فيعتض بهجرته بعد إسلامه سواء فعل ذلك قبل الهدنة أو بعدها، لأن الهدنة توجب أمانهم منا، ولا تجوب أمان بعضهم من بعض.
والثاني: أن يغلب على نفسه بعد إسلامه، فهذا على ضربين:
أحدهما: أن يفعل ذلك قبل الهدنة، فيعتض بهجرته مسلمًا؛ لأنه أغلب على نفسه في حالة الإباحة.
فإذا أعتق في هذه الحال، فعل يلزم الإمام غرم قيمته لسيده أم لا؟ على قولين كالزوجة.
والثاني: أن يفعل ذلك بعد الهدنة، فلا يعتض لحظره أموالهم بعدها، فلم يملكها مسلم بالغلبة، ويكون على رقه لسيده، ويمنع من دفعه إليه، استيفاء رقه عليه؛ لئلا يستذل بالاسترقاق، ويقال لسيده: إن أعتقه كان لك ولاؤه، ولا قيمة لك عنه بعد عتقه، وإن امتنعت من عتقه لم يعتق عليك جبرًا، لما أوجبته الهدنة من حفظ مالك، وكان الإمام فيه مجتهدًا في خيارين: إما أن يبيعه على مسلم أو يدفع قيمته من بيت المال، ويعتقه عن كافة المسلمين ولهم ولاؤه. فلو كان المطلوب أمة ذات زوج غلبت على نفسها وهاجرت مسلمة، فحضر سيدها وزوجها في طلبها، كان حكمها مع السيد على ما ذكرنا من حكم العبد في العتق والرد، وغرم القيمة على التقسيم المقدم.
وأما حكمها مع الزوج، فلا يخلو أن يكون حرًا أو عبدًا، فإن كان حرًا كان في استحقاقه لمهرها من بيت المال قولان كالحرة، ولا يكون غرم قيمتها لو أخذها السيد مانعًا من غرم مهرها للزوج.