في القسمة تابعًا للعرصة ولا يدخل متبوعًا, ألا ترى أنه لو كان بين رجلين عرصة فطلب أحدهما: القسمة لم يجبر عليه فإذا أراد أن يجعل العلو لواحد والسفل لآخر يريد أن يجعل العلو والبناء متبوعًا في القسمة فلا يجبر على ذلك.
وقال في "الأم": في تعليل هذه المسألة لأن أصل الحكم أن من ملك السفل ملك ما تحته من الأرض وما فوقه من الهواء فإذا أعطي كل واحد منهما على غير أصل ما يملك الناس, وأيضًا فإن العلو مع السفل يجري مجرى الدارين المتلاصقين لأن كل واحد منهما مسكن منفرد, ولو كان بينهما دار ولم يكن لأحدهما: أن يطالب بأن يجعل إحدى الدارين نصيبً كذلك هنا.
وقول الشافعي رضي الله عنه: إلا أن يكون سفله وعلوه لواحد مشكل ومعناه لا يجوز أن يجعل لأحدهما سفلًا وللآخر علوًا ولا تصح القسمة إلا أن يكون سفل كل سهم وعلوه لواحد فأوجز المزني وأسقط هذا الاختيار, فإن تراضيا عليه جاز لأن أكثر ما فيه أن يكون بمنزلة الملكين المتجاورين ولو تراضيا في الملكين المتجاورين وأن يجعل لكل واحد دارًا منفردة لجاز كذلك هنا.
وقال أبو حنيفة رحمه الله: يقسمه الحاكم بينهما فيجعل ذراعًا من السفل بذراعين من العلو لأن عنده صاحب العلو لا ينتفع بالقرار وصاحب السفل ينتفع بالقرار, وقال أبو يوسف: يقسمها ذراعًا بذراع, وقال محمد: أقسمه بالقيمة وهذا لأنها دار واحدة فإذا قسمها على ما تراه جاز وهذا غلط ما ذكرنا, وأما ما ذكروه لا يصح لأن الهواء لصاحب العلو وله أن يصنع به ما لا يضر بصاحب السفل, ولو طلب أحدهما: أن يقسم السفل بينهما ويترك العلو على الإشاعة لم يجز الآخر على ذلك لأن القسمة ترد لتمييز حق أحدهما: عن الآخر, وإذا كان العلو مشتركًا لم يحصل التمييز.
فرع
إذا كان في الأرض زرع وأراد أحد الشريكين قسمة الأرض نظر؛ فإن أراد قسمة الأرض دون الزرع أجبر الآخر عليها, لأن الزرع في الأرض كالفرش في الدار لا يمنع القسمة, ولا فرق بين أن يكون خرج الزرع أو لم يخرج, وإن أراد قسمة الزرع خاصة نظر, فإن كان حبًا لم يجز وكذلك إن كان حبًا مشتدًا لم يجز لأنه مجهول, وإن كان قد خرج ولم يصر حبًا حكي الشيخ أبو حامد: أنه لا يجبر الممتنع على القسمة لأنه لا يمكن تعديله ولأن الإجبار إنما يكون على ما يبقى ويدخر ولا يقصد بالزرع التبقية وقال القاضي الطبري: في هذا نظر وعندي أنه مبني على القولين, فإن قلنا: إنه إفراز حق يجبر وهذا أشبه لأنه إذا أمكن تعديله مع الأرض أمكن منفردًا, وإن أراد قسمة الأرض مع الزرع فإن كان الحب لم يخرج لم يجز لجهالته؛ ولأنه بيع الحب بالحب ومعهما غيرهما فلا يجوز,