والثاني: أن يقترن لحاجة عرضت إليه من قبوله عند الحاجة ويجوز أن يقبلها بعد الحاجة, فقد روي أن زيد بن ثابت كان يهدي إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه لبناً فيقبله حتى اقترض زيد بن ثابت مالاً من بيت المال ثم اهدي إليه اللبن فرده عمر فقال زيد: لم رددته قال: لأنك اقترضت من بيت المال مالا فقال زيد: لا حاجة لي في مال يقطع الوصلة بيني وبينك فرد المال وأهدي إليه اللبن فقبله منه
والثالث: أن يزيد في هديته على فوق العادة لغير حاجة فينظر فإن كانت الزيادة من جنس الهدية جاز قبولها لدخولها في المألوف وإن كان من غير جنسها منع من قبولها لخروجها عن المألوف.
فرع آخر
لو أهدى إليه من لم يكن يهاديه قبل الولاية فهو على ثلاثة أضرب أحدهما: أن يهدي إليه من يخطب منه الولاية على عمل يقلده فهذه رشوة حرام سواء كان مستحقاً أو لا وعليه ردها, 12/ 57 أ ويحرم على باذلها إن كان غير مستحق للولاية, وإن كان مستحقاً لها فإن كان مستغنياً عن الولاية حرم عليه بذلها, وإن كان محتاجاً إليها لم يحرم عليه بذلها.
والثاني: أن يهدي إليه من شكره على جميل كان منه فهذا ملحق بالهدايا لأن الرشوة ما تقدم والهدية ما تأخر وعليه ردها ولا يجوز له قبولها لأنه يصير مكتسباً مجاملته ومعتادا على جاهه وسواء كان ما فعله من الجميل واجبا أو تبرعا لا يحرم بذلها على المهدي
والثالث: أن يهدي إليه مبتدأ فهذه هدية بعث عليها جاه السلطنة, فإن كافأ عليها جاز له قبولها, وإن لم يكافئ عليها ففيه وجهان: أحدهما: يقبلها لبيت المال لأن جاه السلطنة لكافة المسلمين والثاني يردها لأنه المخصوص بها فلم يجز أن يستأثر دون المسلمين بشيء وصل إليه بجاه المسلمين.
فرع آخر
مهاداة ولاة الأعمال كعمال الخراج والصدقات ينظر فيها, فإن كان المهدي من غير أهل عمله كانت المهاداة بينهما كالمهاداة بين غير الولاة من الرعايا وإن كان من أهل عمله فعلى ثلاثة أضرب أحدها: أن يكون قبل استيفاء الحق فهذه رشوة يحرم قبولها وفي الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" اللطفة عطفه" يعني: تعطف عن الواجب وسواء كان العامل مرتزقاً أو لا. 12/ 57 ب.
والثاني أن يهدي إليه بعد استيفاء الحق منه على جميل قدمه إليه, فإن كان ذلك الجميل مما يجب على العامل أن يعلمه بحق عمله وجب رد الهدية وحرم قبولها وإن كان مما لا يجب عليه لم يكن للعامل أن يتملكها ما لم تعجل المكافأة عليها وفيها وجهان: أحدهما: تعاد إلى مالكها لخروجها عن المقصود بها.