فصل:
فإذا تقرر أنه لا تقبل شهادتهما له قبل اندمال الجرح الساري، لم يخل حال الجرح من أن يسري إلي النفس أو يندمل، فإن سرى إلي النفس استقر الحكم في رد شهادتهما، وإن اندمل لم يحكم بالشهادة المتقدمة، وفي الحكم بها إن استأنفاها بعد الاندمال وجهان:
أحدهما: تقبل شهادتهما في المستأنف لزوال ما منع من ردها:
والثاني: وهو قول أبي إسحاق المروزي لا تقبل شهادتهما للحكم بردها في شهادة الأول كالفاسق إذا ردت شهادته لم تقبل إذا ادعاها بعد عدالته، والله أعلم.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: "فإن شهد له من يحجبه قبلته فإن لم أحكم حتى صار وارثًا طرحته ولو كنت حكمت ثم مات من يحجبه ورثته لأنها مضت في حين لا يجر بها إلي نفسه".
قال في الحاوي: وهذا صحيح إذا ردت شهادة الوارثين في الجراح اعتبرت بكونهما وارثين عند تنفيذ الحكم بشهادتهما لأنهما بحال التهمة الموجبة للرد، وإذا كان كذلك واختلف حالهما قبل الشهادة وبعدها فلهما حالتان:
أحداهما: أن يكونا غير وارثين عند الشهادة ثم يموت من يحجبهما فيصيرا وارثين بعد الشهادة، وقبل الحكم بها، فبشهادتهما مردودة لحدوث ما يمنع من قبولها عند الحكم بها فصار كما لو شهد عدلان، فلم يحكم بشهادتهما حتى فسقا ردت شهادتهما في العدالة، لحدوث الفسق عند الحكم بها.
والثاني: يصيرا وارثين بعد الحكم بهشادتهما فهي ماضية لا تنقضي بحدوث ما تجدد بعد نفوذ الحكم بها، كما لو حكم بشهادة العدلين ثم فسقا لم ينقص الحكم بحدوث فسقهما، والله أعلم.
فصل:
والثانية أن يكونا وارثين عند الشهادة ويحدث من يحجبهما فيصيرا غير وارثين بعدها، فلا يكون الحكم بما تقدم من شهادتهما لاقتران التهمة فإن استأنفهما بعد أن صارا غير وارثين ففي جواز قبولها على ما مضى من الوجهين في إعادة شهادتهما بعد اندمال الجرح، والله أعلم.