والثاني: وهو أشهر: أن الإثم الخمر، والبغي السكر، وشاهده قول الشاعر:
شربت الإثم حتى ضل عقلي كذاك الإثم يذهب بالعقول
واختلف بأي هاتين الآيتين حرمت الخمر.
فالذي عليه الجمهور أنها حرمت بالآية الأولى للتصريح باسم الخمر.
وقال قوم: بل حرمت بالآية الثانية، لأنها آخر آية نزلت فيه.
وروي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} قال: "شارب الخمر كعابد وثن" فجعله مقرونا بالشرك لتغليظ تحريمه. فإن شرب الخمر مستحلًا كفر به.
وإن قيل: فقد استباح قدامة بن مظعون شرب الخمر بقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوا وَّآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوا وَّآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوا} المائدة: 93.
وقد قال: قد أيقنا وآمنًا، فلا جناح علينا فيما شربنا، فلم ينكره أحد من الصحابة قيل: قد أنكروا عليه ما تأوله وأبطلوه، فرجع عنه، وانعقد الإجماع على فساد شبهته، وصار من المحرمات بالنصوص المقطوع بها.
وإن شرب الخمر غير مستحل لها حكم شهادته، كان فاسقًا مردود الشهادة قليلًا شرب منها أو كثيرًا، سكر منها أو لم يسكر، لقول النبي {صلى الله عليه وسلم}: "حرمت الخمرة لعينها والسكر من كل شراب" في رواية العراقيين والمسكر من كل شراب: في رواية الحجازيين.
ولا فرق بين أن يشربها صرفاً أو ممزوجةً.
وشذ قوم بأن قالوا: إذا مزجها بما غلب عليها، لم تحرم، لقوله {صلى الله عليه وسلم}: " حرمت الخمرة لعينها ".
وهذا تأويل فاسد، لأن العين موجودةً في الممزوج بها، لكن لو مزجت بالماء قبل أن تشتد ثم صارت بعد المزج مسكرًا، كانت في حكم النبيذ دون الخمر، وكذلك لو غليت بالنار بعد إسكارها كانت خمرًا، لو غليت بالنار قبل إسكارها ثم أسكرت بعد غليها، كانت نبيذا ولم تكن خمرًا
فصل:
وأما بيع الخمر فحرام، وبائعها فاسق، والعقد عليها باطل، وثمنها محرم. روى ابن عمر أن النبي {صلى الله عليه وسلم} قال: "لعن الله الخمر ولعن بائعها"، ولأن بيعها من أكل المال بالباطل.