والله تعالى يقول: {وَلاَ تَاكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ} البقرة: 188.
وأما اتخاذ الخمر وإمساكها فمعتبر بمقصوده، فإن قصد به أن ينقلب ويصير خلا جاز. ولم يفسق به لأنها تحل بالانقلاب.
وإن قصد ادخارها على حالها، كان محظورًا، يفسق به، لأن إمساكها داع إلى شربها. وما دعا إلى الحرام محظور والله أعلم.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: " ومن شرب سواها من المنصف أو الخليطين، فهو آثم ولا ترد شهادته إلا أن يسكر لأنه عند جميعهم حرام ".
قال في الحاوي: قد ذكرنا أن كل شراب أسكر فهو حرام، كالخمر عندنا في تحريم ما أسكر منه وما لم يسكر، وجعل مخالفنا تحريمه مقصورًا على السكر، فأحل قليله إذا لم يسكر، وحرم فيه الكثير إذا أسكر، وقد تقدم الكلام عليه.
فجميع الأنبذة المسكرة عندنا محرمةً من أي الأنواع كانت، من زبيب، أو تمر، أو رطب، أو بسر، أو عسل مطبوخة ونية.
وحرم أبو حنيفة نيها وأباح مطبوخها.
فإذا شرب نبيذا مسكرًا حكم شهادته، فإن شرب منه ما أسكر، فقد شرب حرامًا في الجميع، وصار به فاسقًا مردود الشهادة، وإن شرب منه ما لم يسكره فإن عاقر عليه أو تكلم بالخنا والهجر ردت شهادته.
وقال محمد بن الحسن: لو عاقر على الماء كان حرامًا. وإن لم يعاقر وشرب منه ما لم يسكر، فله ثلاثة أحوال:
أحدها: أن يعتقد تحريمه إما باجتهاد أو تقليد فيفسق بشربه ويحد ولا تقبل شهادته، لإقدامه على ما يعتقده معصية، فصار بإقدامه عاصيًا
والثانية: أن يعتقد إباحته، إما باجتهاد أو تقليد، فمذهب الشافعي يكون على عدالته، ويحد ولا ترد شهادته.
وقال مالك: قد فسق، فيحد وترد شهادته.
وقال المزني: لا ترد شهادته ولا يحد.
ومنها جميعًا من اجتماع الحد وقبول الشهادة، فجعل مالك وجوب الحد مسقطا للشهادة، وجعل المزني قبول الشهادة مسقطًا للحد، وفرق الشافعي بينهما، فأوجب الحد ولم يرد الشهادةً، لأن الحد من حكم الشرب للردع عنه، ورد الشهادة بالفسق، بالتفسيق في حكم المعصية، والمعصيةً في تأويل ما اختلف أهل العلم فيه مرتفعةً، فلم يمتنع اجتماع