وروي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال: " روحوا القلوب تعي الذكر ".
والثالثة: أن يتوسط بين المكثر والمقل نظر.
فإن اشتهر به وانقطع به عن أشغاله، صار سفيها مردود الشهادة، وإن لم يشتهر به ولا قطعه عن أشغاله، فهو على عدالته وقبول شهادته.
فصل:
وأما مقتني المغنيين والمغنيات، من الغلمان والجواري حكم شهادته، فله ثلاثة أحوال:
أحدها: أن يكون جليسا لهم، ومقصودًا لأجلهم، فهذا سفيه مردود الشهادة وحاله في الجواري أغلظ من حاله في الغلمان.
قال الشافعي: "لأنه قد جمع سفها ودناءة".
والثانية: أن يقتني ذلك لنفسه ليستمع غناءهم إذا خلا، مقبلصا مستترًا، غير مكاثر ولا مجاهر. فهو على عدالته وقبول شهادته.
والثالثة: أن يدعو من يشاركه في سماعهم فينظر:
فإن كان يدعوهم من أجل السماع، ردت شهادته. وإن دعاهم لغير الغناء، نظر.
فإن كثر حتى اشتهر، ردت شهادته، وإن قل ولم يشتهر، فإن كان الغناء من غلام، لم ترد شهادته، وإن كان الغناء من جاريةً نظر، فإن كانت حرةً ردت شهادته وشهادة مستمعها إذا اعتمد المستمع سماعها، وإن لم يعتمد لم ترد شهادته وإن كانت أمة، فسماعها أخف من سماع الحرةً، لنقصها في العورة، وأغلظ من سماع الغلام لزيادتها في العورةً، فيحتمل أن يغلب نقصها عن الحرة وإجرائها مجرى الغلام، فلا ترد بها الشهادة، ويحتمل أن يغلب زيادتها على الغلام وإجرائها مجرى الحرةً، فترد بها الشهادة والله أعلم.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: "فأما الاستماع للحداء ونشيد الأعراب فلا بأس به قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} للشريد: "أمعك من شعر أمية شيء؟ " قال: نعم، قال: "هيه" فأنشده بيتًا فقال "هيه" حتى بلغت مائة بيت وسمع رسول الله {صلى الله عليه وسلم} الحداء والرجز وقال لابن رواحة "حرك بالقوم"، فاندفع يرجز قال المزني رحمه الله: سمعت الشافعي يقول: كان سعيد بن جبير يلعب بالشطرنج استدبارًا، فقلت له: كيف يلعب بها استدبارًا، قال: يوليها ظهره ثم يقول: "بأي شيء وقع"، فيقول: بكذا فيقول: أوقع عليه بكذا ".
قال في الحاوي: وهذا صحيح. لا بأس بالحداء ونشيد الأعراب، والشعر، والرجز، وهو مباح لا كراهةً فيه.