وروى ابن مسعود قال: كان مع رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ليلة نام بالوادي حاديان.
وروى أنس بن مالك، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنا في سفر رسول الله {صلى الله عليه وسلم}، وكان عبد الله بن رواحة جيد الحداء، فكان مع الرجال، وكان أنجشة مع النساء، فقال النبي {صلى الله عليه وسلم} لعبد الله بن رواحة: " حرك بالقوم "، فاندفع يرتجز، وتبعه أنجشة، فأعنقت الإبل في السير، فقال النبي {صلى الله عليه وسلم} "رويدك يا أنجشة رفقًا بالقوارير" يعني النساء. وروى الشافعي عن سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال: أردفني رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ثم قال: "أمعك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء؟ قلت: نعم. قال: فأنشدته بيتا فقال: هيه. فأنشدته بيتا آخر. فقال: هيه. فأنشدته إلى أن بلغ مائة بيت".
وهيه: موضوعةً في الكلام للحث والاستزادة، وإنما استحسن شعر أمية لأن أكثره عبر وأمثال، وأذكار بالبعث والنشور، ووعد ووعيد بالجنة والنار النبي صلى الله عليه وسلم. وروي أنه {صلى الله عليه وسلم} قال فيه: "إن كاد ليسلم".
وروي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه لقي في سفر ركبا من بني تميم معهم حاد، فأمرهم أن يحدوا، فقالوا: إن حادينا حدا ونام من آخر الليل، ثم قالوا: يا رسول الله، إنا أول العرب حداء بالإبل، قال: وكيف ذلك؟ قال: إن العرب كانت تغير بعضها على بعض، فأغار رجل منا على إبل فاستاقها فتبددت، فضرب غلامه على يده، فكان الغلام كلما ضربه صاح وايداه! وايداه! والإبل تجتمع لحسن صوته، وهو يقول: هكذا أفعل. والنبي {صلى الله عليه وسلم} يضحك، فقال: وممن أنتم؟ قالوا: من مضر، فقال: "ونحن من مضر وكيف كنتم أول العرب حداء؟ ".
فدل هذا الخبر على إنشاد الرجز وإباحة الحداء، وجواز الضحك عند التعجب ولأن الحداء غير مقصود به اللهو كالغناء، وإنما يقصد به حث المطي وإعناق السير، فلم تتوجه إليه كراهيةً.
ولأن الحداء الحسن الرجز، فيباح بالصوت الشجي، فيخفف كلال السفر، ويحدث نشاط النفس، فلم يكن له في الكراهةً وجه، وسواء فيه الحادي والمستمع، وهكذا التغني بالركانية مباح، لأنه ضرب من الحداء، يعدل فيه عن ألحان الغناء.
وروي أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} لما هاجر إلى المدينةً، استقبله الأنصار وخرج إليه الفتيان بالدفوف وهم ينشدون:
طلع البدر علينا
... من ثنيات الوداع