لاستحسان صنع الله تعالى وبديع خلقه، لم تكره وكانت بالمستحبةً أشبه. وأما الثاني في العصبيةً: فهي شدة الممايلةً لقوم على قوم، وهو على ضربين:
أحدهما: أن تكون عصبيته لهم عامة في كل حق وباطل، وعلى كل محق ومبطل، فهذا فسق ترد به الشهادة.
وقال الله تعالى: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَامُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ} التوبة: 67.
والثاني: أن تكون عصبيته لهم مقصورةً على أخذ الحق لهم، ودفع الظلم عنهم، فيكون بها على عدالته، وقبول شهادته، لقول الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} المائدة: 2.
وروي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال لرجل: "أعن أخاك ظالمًا أو مظلومًا، فقال الرجل: يا رسول الله: أعينه مظلومًا فكيف أعينه ظالمًا، فقال: ترده عن ظلمه".
ثم تعتبر هذه العصبيةً، فإن كانت لمحبة القوم فهي مباحةً وإن كانت لنصرة الحق فهي مستحبة.
وأما الفصل الثالث: في البغض في الشهادة: فهو على ثلاثة أضرب: مستحب، ومباح ومكروه.
فأما المستحب: فهو بغضه لأهل المعاصي، فيكون بغضه لهم طاعة يؤجر عليها لاختصاصه بحق الله تعالى.
وأما المباح: فهو بغضه لمن لوى حقه وتظاهر بعداوته، فيكون السبب الباعث عليه من أمور الدنيا مباحا، ولا يؤجر عليه ولا يؤثم به، وهو فيه على عدالته وقبول شهادته، ما لم يتجاوز البغض إلى غيره.
وأما المكروه: فهو بغضه لمن خالفه في نسب، أو علم، أو صناعة، فيكون البغض لهذا السبب مكروهًا لما فيه من التقاطع.
فإن ألب عليه وتعصب فيه كان جرحًا ترد به الشهادةً، وإن لم يتجاوز البغض إلى ما سواه كان على عدالته وقبول شهادته؛ لأنه قد حمى نفسه من نتائج البغض. فأما إن كان بغضه لغير سبب، فإن كان خاصا في واحد بعينه، لم ترد به شهادته، لأنه لا يملك قلبه، وإن كان عامًا لكل أحد، فقد روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال "شر الناس من يبغض الناس ويبغضونه" فيكون ذلك جرحًا فيه، فترد به شهادته لخروجه عن المأمور به من الألفة، إلى المنهي عنه من التقاطع.
وأما الفصل الرابع: في العداوة: والفرق بين البغض والعداوةً، أن البغض بالقلب، والعداوةً بالعمل، ومع كل عداوةً بغض وليس مع كل بغض عداوةً، فصارت العداوة أغلظ