من البغض، فهي على ثلاثة أضرب: مستحبة، ومباحة، ومكروهة.
فأما المستحبة: فهي في الدين، لمن خرج عن طاعة الله أو تعرض لمعاصيه. وهذا غضب لله تعالى في حقوق أوامره ونواهيه، فخرج عن حكم العداوة إلى نصرة الدين، فكان أبلغ في عدالته، وأولى بقبول شهادته، لأن من غضب لله في معصية غيره، كان بدفع المعصيةً عن نفسه أولى.
وأما المباحة: فهي في حق نفسه، إذا بدء بالعداوة، فقابل عليها بما لم يتجاوز فيه حكم الشرع، فهو مستوف لحقه منه، غير قادح في عدالته، لقوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ} النحل: 126.
وشهادته مقبولةً على غيره، فأما قبولها على عدوه فمعتبرة بحاله بعد المقابلةً فإن سكن بعد نفوره، قبلت شهادته، وإن كان على نفوره، ردت.
وأما المكروهةً: فهو أن يبتدئ بها من غير سبب بوجوبها، فيكون بها متجوزًا، فإن قرنها بفحش في قول أو فعل، صار بها مجروحًا في حق الكافة، لا تقبل شهادته لأحد ولا عليه، وإن تجردت عن فحش من قول أو فعل، فهو على عدالته مقبول الشهادةً، على غيره ومردود الشهادةً على عدوه، ومقبول الشهادة لعدوه.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: "والشعر حكمه كلام، فحسنه كحسن الكلام، وقبيحه كقبيحه، وفضله على الكلام أنه سائر وإذا كان الشاعر لا يعرف بشتم وأذاهم ولا يمتدح فيكثر الكذب المحض ولا يتشبب بامرأة بعينها ولا يشهرها بما يشينها فجائز الشهادة وإن كان على خلاف ذلك لم تجز".
قال في الحاوي: واختلف الناس في شهادة الشاعر إذا صار بالشعر مشهورًا وإليه منسوبًا، فمنع قوم من قبولها، وجعلوا توفره على الشعر جرحًا، تمسكا بقوله تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ} الشعراء: 224 - 226
ولحديث أبي هريرة أن النبي {صلى الله عليه وسلم} قال: "لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحًا حتى يريه خير من أن يمتلئ شعرًا ".
والذي عليه جمهور أهل العلم أن قرض الشعر وإنشاده إذا كان سليمًا ليس بجرح، وشهادة من انتسب إليه مقبولةً، على ما سنوضحه من شرح وتفصيل لرواية عبد الرحمن بن زياد، عن عبد الرحمن بن رافع، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم}: