قال في الحاوي: وهذا صحيح إذا شهد الشهود وقد عرف الحاكم عد التهم على رجل بحق من حد أو غير حد، وقدح المشهود عليه في عدالتهم مكنه الحاكم من إقامة البينة بجرحهم، لأن المشهود عليه من الاهتمام بقصد الكشف عن جرحهم ما يقصر زمان الحاكم عن التشاغل به، فإن أقام البينة بجرحهم أسقط الحكم بشهادتهم، وإن عجز الحاكم عن التشاغل به، فإن أقام البينة بجرحهم أسقط الحكم بشهادتهم، وإن عجز عنها أمضى الحاكم بما عليه، ولا يضيق عليه الزمان في طلب الجرح فيتعذر عليه، ولا يوسع له الزمان فيؤخر الحكم، وتكون مدة إمهاله ثلاثة أيام، لأنها أكثر القليل وأقل الكثير.
فأما قول الشافعي رضي الله عنه: ويطرد المشهود عليه جرحهم ففيه تأويلان:
أحدهما: معناه يمكنه من جرحهم، ولا يمنعه منه.
والثاني: معناه يوسع له الزمان ولا يضيقه عليه.
فأما إن أمسك المشهود عليه في طلب يمكنه من جرحهم، فإن كان فيما لا يدرأ بالشبهة من حقوق الآدميين، أمسك الحاكم عن إطراد جرحهم، وإن كان في حد الله تعالى يسقط بالشبهة نظرة.
فإن توجه الحد على من لا يعرف جواز إطراده، ولم يشعر به ولم يذكره له. وإن توجه إلى من لا يعرفه، أعلمه ما يستحقه من إطراد الجرح، فغن شرع فيه مكنه منه، وإن أمسك عنه أقام عليه الحد، لأنه حق له وليس بحق عليه.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: "ولا أقبل الجرح من الجارح إلا بتفسير ما يجرح به للاختلاف في الأهواء وتكفير بعضهم بعضًا ويجرحون بالتأويل".
قال في الحاوي: وهو كذلك في دعوى المشهود عليه جرح الشهود، لم تقبل دعواه على الإطلاق حتى يفسرها بما يكون جرحًا يفسق به، لاختلاف الناس في الجرح والتعديل، كما قال: هذا وارث. لم يقبل منه حتى يذكر ما صار به وارثًا لاختلاف الناس في المواريث.
فإذا قال: هذا الشاهد فاسق أو غير مرضي، أو ليس بمقبول الشهادة.
قيل له: فسر ما صار به فاسقًا غير مقبول الشهادة.
فإن فسرها بما لا يكون فسقًا، ردت دعواه وحكم بالشهادة عليه، وإن فسرها بما يكون فسقًا، كلف بإقامة البينة بالفسق الذي ادعاه، ليكون الفسق مفسًرا في الدعوى والشهادة فإن فسرها المدعي بنوع من الفسق، وفسرها المشهود بنوع آخر، حكم بالفسق مع اختلاف في الدعوى والشهادة، لأن المقصود ثبوت الفسق، فلم يؤثر فيه اختلاف