على الملك استدلالًا فافترقا ولأنه لما لم تسمع بينة الداخل في الدين لم تسمع في العين لاستوائهما في حق الخارج في القبول، فوجب أن يستويا في حق الداخل في الرد. قالوا: ولأنه لما لم تسمع بينة الداخل إذا لم يقم الخارج البينة مع قوة الداخل، وضعف الخارج كان أولى أن لا تسمع بينة الداخل إذا أقام الخارج البينة مع ضعف الداخل، وقوة الخارج لأن من لم تسمع بينته مع قوته، كان أولى أن لا تسمع مع ضعفه.
ودليلنا رواية جابر أن رجلين اختصما إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم في دابة، أو بعير، وأقام كل واحد منهما البينة أنها له بنتجها فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي هي في يده فدل على قبول بينة الداخل، فإن قيل فبينة الداخل في النتاج مقبولة.
قيل: وجه الدليل أنه قضى بينة الداخل تعليلًا باليد، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "البينة على المدعي" وقد صار كل واحد منهما مدعيًا للعين، وإن لم يصر مدعيًا للدين، فوجب بهذا الخبر، أن تسمع بينة كل واحد منهما. ولأن جنبة الخارج أضعف من جنبة الداخل، فلما سمعت لليد مع الضعف كان سماعها مع القوة أولى.
وتحرير قياسًا، أنها بينة تسمع مع ضعف الجنبة، فكان أولى أن تسمع مع قوة الجنبة كسماعها من المدعي، إذا كانت له يد متقدمة ولأنهما إذا تنازعا ملكًا، لا يد لواحد منهما، سمعت بينة كل واحد منهما، فإذا انفر أحدهما باليد، لم يمنع من سماع بينته، لأنها إن لم تفده قوة لم تقده ضعفًا، وتحرير أن تساويهما في ادعاء الملك، يوجب تساويهما من سماع البينة، كما لو لم يكن لأحدهما عليه يد، أو كان لكل واحد منهما يدل عليه. ولأن بينته الخارج قد رفعت يد الداخل، فصار كالخارج، فوجب أن تسمع بينته كسماعها من الخارج. وتحرير قياسًا أن كل من حكم عليه إذا عدم البينة، وجب أن يحكم له إذا وجد السنة كالخارج، ولأن اليد فعل زائد في القوة فلم يجز أن يمنع من سماع البينة. كما لو شهد لأحدهما شاهدان، وشهد للآخر عشرة. ولأن كل حجة صح دفعها بالقدح فيها، صح دفعها بالمعارضة لها كالخبرين وعمدة القياس على أبي حنيفة أنه لما سمعت بينة الداخل فيما لا يتكرر من النتاج، وثوب القطن سمعت بينة في ما يتكرر من أواني الذهب والفضة، وثوب الخبز.
وتحريره قياسًا من وجهين:
أحدهما: أن كل من سمعت بينته فيما لا يتكرر من الأعيان سمعت بينته فيما يتكرر منها كالخارج.
والثاني: أن كل يمين صح سماع البينة عليها من الداخل، كالنتاج، والأعيان التي لا تتكرر فاعترض أصحاب أبي حنيفة على هذا، بما اختلف فيه متقدموهم، ومتأخروهم، فأما المتقدمون منهم فعارضوا في الفرق بينهما بأن البينة في النتاج وما لا يتكرر سببه، تفيد ما لا تفيده يده، لأن اليد تدل على الملك دون السبب والبينة تدل على الملك والسبب فلذلك سمعت بينته مع يده والبينة في الملك