وهذا كما قال: أراد به حكى الشافعي في كتاب سماه "أدب الخطبة ".
والمستراح: هي الدرجة العليا من المنبر وهي التي يقعد عليها الإمام ليستريح، وكان منبره ثلاث درجات سوى الدرجة التي كان يقعد عليها.
وجملته أنه يستحب للإمام إذا دخل المسجد أن يسلم، ثم يصلي ركعتين تحية المسجد، ثم إذا زالت الشمس المستحب أن يصعد المنبر، ويستوي على الدرجة التي هي دون الدرجة التي تسمى المستراح، فإذا استوي عليها سلم على الناس ووجب عليهم الرد، فإذا رد بعضهم سقط الفرض عن الباقين، ثم جلس على المستراح ورجلاه على الدرجة التي وقف عليها، وهي جلسة الاستراحة، وهي غير واجبة، ولا يزال جالساً حتى يفرغ المؤذنون من الأذان، ثم يقوم قائما ويخطب.
وقال مالك وأبو حنيفة رحمهما الله: لا يسلم على رأس المنبر ويكره، لأنه لما دخل سلم فلا يعيد، كالمؤذن إذا أذن ثم رجع، وهذا غلط لما روى عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: كان 131 ب/ 3) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إذا دنا من منبره يوم الجمعة يسلم على من عند منبره من الجلوس، اثم يصعد فإذا استقبل الناس بوجهه سلم، ثم قعد".
وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - "كان يسلم إذا صعد المنبر" ولان الإمام قد استدبرهم حين صعد ثم أقبل عليهم. وقد كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورضي عنهم يحول بين بعضهم وبعضهم شجرة فيسلم بعضهم على بعض. وأما في الأذان لا يغيب عنهم، ولو صعد المنارة ثم نزل سلم عليهم أيضاً، وإذا أشرف على الناس في رأس المنارة وكان قريباً منهم وهم يسمعون سلامه استحب له أن يسلم عليهم، كما قلنا في الخطيب، لأنه استقبال بعد استدبار فسن فيه السلام كما لو خرج ثم دخل.
وحكي عن أبي حنيفة: أنه لو أدخل المسجد يجلس أولاً، ثم يقوم ويصلي التحية، وهكذا في تحية سائر المساجد، وهذا غلط لما تقام من الخبر ولأنه يسلم على الناس، ثم يجلس كذلك يصلي ثم يجلس لأن كليهما تحية. وحكي عن مالك رحمه الله أنه أ/ 132 - 3 قال: هذه الجلسة في أول الخطبة هي واجبة لما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجلس في الأول ليستريح من تعب صعوده، ولهذا سميت هذه الدرجة المستراح، ولأنه لا فائدة في قيامه مع أذان المؤذنين.
فرع
قال: وأحب أن يؤذن مؤذن واحد إذا كان على المنبر لا جماعة المؤذنين، لأنه لم يكن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا مؤذن واحد، فإن أذن جماعة المؤذنين والإمام على المنبر أو أذان بعد أذان كرهت ذلك، ولا يفسد شيء من الصلاة، لأن الأذان ليس من الصلاة