بين الفرقدين والجدي؛ لأنه لا يزول؛ فيجعله المصلِّي في بلادنا خلف أذنه اليمنى. ومعرفة دلائل القِبلة فرضٌ على العين، أم فرض على الكفاية؟ فيه قولان.
أصحهما: فرض على العين؛ يجب على كل بصير أن يتعلمها؛ لأنها تحصل في ليال ذوات عدد، بخلاف تعلُّم العلم كان فرضاً على الكفاية؛ لأنه لا يحصل إلا بأن يجعل معظم عمره فيه؛ والمطلوب بالاجتهاد عين الكعبة؛ على ظاهر المذهب.
وفيه قول آخر: المطلوب جهتها.
وبه قال أبو حنيفة؛ لأن الكعبة حرمٌ صغير مستحيل يتوجه إليها أهل الدنيا. والأول أصحُّ؛ لأن الحرم الصغير كلما ازداد القوم عنه تباعداً، ازدادوا له محاذاة؛ مثل غرض الرُّماة، والخط وسط الدائرة.
وقال أبو حنيفة: المشرقُ قبلةُ أهل المغرب، والمغرب قبلة أهل المشرق، والجنوب قبلةُ أهل الشمال، والشمال قبلة أهل الجنوب.
وقال مالك: الكعبة قبلةُ أهل المسجد، والمسجد قبلة أهل "مكة" و"مكة" قبلة أهل الحرم، والحرمُ قبلة أهل الدنيا.
فصل: الاشتباه في القبلة والاجتهاد فيها
الأعمى إذا اشتبهت عليه القبلة ففرضه التقليد؛ وهو أن يسأل بصيراً؛ فيأخذ بقوله؛ لأنه ليس له آلة المعرفة؛ فإن لم يجد من يقلده، يصلِّي على التخمين ثم يعيد، وإن وافق القِبلة.
وأما البصير فينظر فيه، إن كان عالماً بدلائل القِبلة لم يجز له التقليد، بل عليه أن يجتهد، حتى لو صلَّى بالتقليد، يجب عليه الإعادة، وإن خاف فوت وقت الصَّلاة إن اشتغل بالاجتهاد يصلِّي لحقِّ الوقت على التخمين، ثم يجتهد، ويعيد الصلاة.
وقال ابن سريج: يجوز له التقليد، إذا خاف فوات الوقت، وكان إذا ضاق به الوقت يقلد الملاحين في أمر القبلة، والتقليد: هو أن يخبره ذلك الرجل عن الاجتهاد، فيأخذ به.
فأما إذا أخبره بمحل القُطب، أو بمنزل من منازل القمر، وهو عالمٌ به فالأخذ به لا يكون تقليداً، بل هو قبول الخبر ممن يلزمه قبول خبره؛ كما لو أخبره بطلوع الفجر، يجب عليه قبول قوله، وإن كان البصير جاهلاً بدلائل القِبلة، هل له التقليد، أم لا؟.