وجهان بناء على أن معرفة دلائل القِبلة فرضٌ على العين أم على الكفاية؟.
إن قلنا: فرضٌ على الكفاية، له أن يقلِّد.
وإن قلنا: فرض على العين، ليس له أن يقلد، بل يتعلم في الوقت. وإن لم يمكنه في الوقت، يصلي على التخمين، ثم يعيد إذا عرف الدليل، واجتهد، أو وصل إلى النصيب وإن كان البصير، بحيث لو عرف لا يتعرف، فهو كالأعمى، وإن كان عالماً بالدليل؛ غير أنه كان يوم غَيْمٍ، خفيتْ عليه الدَّلائلُ قال في موضع: هو كالأعمى.
وقال في موضع: ومن دلَّهُ من المسلمين- وكان أعمى وسعه اتباعه، ولا يسع بصيراً خفيت عليه الدلائل اتباعه.
فمن أصحابنا من جعل على قولين.
أحدهما وهو اختيار المزني: له أن يقلد؛ كالأعمى.
والثاني: لا يجوز له التقليد؛ لأنه معه آلة الاجتهاد؛ بخلاف الأعمى، بل يصلِّي على التخمين، ثم يعيد. ومنهم من قال- وهو الأصحُّ-: ليس له التقليد قولاً واحداً، وحيث قال: هو كالأعمى لم يرد به في جواز التقليد، بل أراد به كالأعمى إذا لم يجد من يقلِّده، يصلي، ثم يعيد.
ومن كان محبوساً في موضع لا يمكنه فيه الاجتهاد- حكمه حكم من خفيت عليه الدلائل؛ فحيث جوَّزنا له التقليد، فإنما يجوز أن يقلِّد مسلماً مكلَّفاً عدلاً عالماً بالدلائل؛ رجلاً كان أو امرأة أو عبداً.
ولا يجوز أن يقلِّد مشركاً، ولا صبيّاً، ولا فاسقاً.
ولو اجتهد رجلان، فأدَّى اجتهاد كلِّ واحد منهما إلى جهة أخرى، غير جهة صاحبه- لا يجوز لأحدهما أن يقتدي بالآخر؛ لأن عند كل واحد منهما أنَّ صاحبه مخطئ.
ولا يجوز أن يقتدي بمن هو عنده أنه مخطئٌ، ولو أدى اجتهادهما إلى جهة واحدة، واختلفا في الانحراف يمنة ويسرة، فلا يجوز لأحدهما أن يوافق صاحبه في الانحراف.
وهل يجوز اقتداء أحدهما بالآخر؟ فيه وجهان.
أحدهما: وهو قول الأكثرين: يجوز؛ لأنه مخالفة يسيرة؛ كالاختلاف في الفروع، لا يمنع من جواز الاقتداء.