والثاني: لا يجوز؛ لأنه مخالفة ظاهرة في جميع الصَّلوات؛ بخلاف الاختلاف في الفروع؛ لأن تلك المخالفة غير ظاهرة.
فصل
إذا صلى إلى جهة بالاجتهاد، ثم دخل عليه وقت صلاة أخرى، وأراد قضاء فائتة- فقد قيل: لا يلزمه أن يجتهد ثانياً، بل يصلي بالاجتهاد الأول؛ لأنه ثبت أن تلك الجهة قِبلةٌ؛ فله أن يصلي إليها ما لم يتبيَّن خلافه.
والمذهب: أنه يجب أن يجتهد.
ثانياً؛ حتى لو صلَّى إلى الجهة الأولى بلا اجتهاد، يجب عليه الإعادة؛ لأن كل صلاة بمنزلة حادثةٌ أخرى؛ فتقتضي اجتهاداً جديداً.
قال الشيخ إمام الأئمة: وإن صلى بالاجتهاد الأوَّل بعد الفريضة ما شاء من النوافل، يجوز؛ فإذا اجتهد للصَّلاة الثانية؛ فأدَّى اجتهاده إلى جهة أخرى- نظر؛ إن كان الدَّليل الثاني دون الأوّل، صلّى إلى الجهة الأُولى، ولا إعادة عليه.
وإن كان أوضح من الأول، صلَّى إلى الجهة الثانية، ولاء المادة عليه، حتى لو صلَّى أربع صلوات بأربع اجتهادات إلى أربع جهاتٍ- لا يجب إعادة شيء منها، وإن تيقنَّا الخطأ في ثلاث منها؛ لأن لكل واحد حكماً مضى بالاجتهاد؛ فلا ينتقض بغير الاجتهاد، كالقاضي إذا تغير اجتهاده بعدما قضى بالاجتهاد؛ فلا ينقضه إلا بنصٍّ يخالفه.
وإن كان الدَّليل الثاني مثل الأول، يصلِّي الصَّلاة الثانية إلى أي جهتين شاء، ثم يعيده؛ لتردده حالة الشروع فيها، ولا يصلِّي هذه الصلاة إلى جهة ثالثة غير الجهتين الأوليين؛ لأن اجتهاده أبطل الجهتين الأخريين؛ فلا يجب إعادة الصَّلاة الأولى.
وأما إذا تغير اجتهاده في خلال الصلاة- نظر: إن كان الدليل الثاني دون الأول أو مثله، لا يتحول، بل يتم صلاته إلى تلك الجهة، ولا إعادة عليه؛ لأن التردُّدَ حدثَ في خلال الصلاة ولم يكن له تردُّدٌ حالة الشروع.
وإن كان الدليل الثاني أوضح من الأول، عليه أن يتحول في الحال ويبني على صلاته، على أصح الوجهين، حتى لو صلى أربع ركعات إلى أربع جهات بأربع اجتهادات- لا يجب عليه الإعادة؛ كالصلوات، لأن لو ألزمناه الاستئناف، نقصتا ما أدى من هذه الصلوات بالاجتهاد؛ والاجتهاد لا ينقص بالاجتهاد.