يكن كذلك - كما هو الغالب في هذه الأعصار المتأخرة - فهو راوٍ لا غير؛ فيتخير في رواية أيهما شاء أو جميعًا أو بأيها من ترجيحات أجلاء المتأخرين، ثم الأولى بالمفتي التأمل في طبقات العامة، فإن كان السائلون من الأقوياء الآخذين بالعزائم وما فيه الاحتياط اختصهم برواية ما يشتمل على التشديد، وإن كانوا من الضعفاء الذين هم تحت أسر النفوس، بحيث لو اقتصر في شأنهم على رواية التشديد أهملوه ووقعوا في وهدة المخالفة لحكم الشرع - روى لهم ما فيه التخفيف؛ شفقة عليهم من الوقوع في ورطة الهلاك، لا تساهلاً في دين الله أو لباعث فاسد؛ كطمع، أو رغبة، أو رهبة.
ثم قال: "وهذا الذي تقرر هو الذي نعتقده وندين الله به؛ قال: وكان بعض مشايخنا يجري على لسانه - عند مرور اختلاف المتأخرين في الترجيح في مجلس الدرس وسؤال بعض الحاضرين عن العمل بأي الروايتين: من شاء يقرأ لـ"قالون"، ومن شاء يقرأ لـ"ورش"، وأما التزام واحد على التعيين في جميع المواد وتضعيف مقابله، فالحامل عليه محض التقليد" أهـ.
وفي القضاء من "التحفة" ما نصه في الخادم عن بعض المحتاطين: "الأولى لمن بلي بوسواس الأخذ بالأخف والرخص؛ لئلا يزداد فيخرج عن الشرع، ولضده الأخذ بالأثقل؛ لئلا يخرج إلى الإباحة أهـ.
وهذا الذي قاله السيد عمر البصري هو الذي يميل إليه الفقير، وقد نقله تلميذه ابن الجمال مختصرًا، وأقره في رسالته فتح المجيد، ورأيت نقلاً ع ن العلامة السيد عبد الرحمن بن عبد الله الفقيه العلوي في آخر جواب طويل: "وإذا اختلف ابن حجر والرملي وغيرهما من أمثالهما، فالقادر على النظر والترجيح يلزمه، وأما غيره فيأخذ بالكثرة، إلا إذا كانوا يرجعون إلى أصل واحد، ويتخير بين المتقاربين؛ كابن حجر والرملي خصوصاً في العمل؛ كما حرره السيد عمر بن عبد الرحيم البصري في فتوى له" أهـ.
وسئل سيدنا الإمام العلامة السيد عبد الرحمن بلفقيه عما إذا اختلف ابن حجر ومعاصروه، فقال: اعزل الحظ والطمع، وقلد من شئت؛ فإنهم أكفاء أهـ.
ونقل عن الإمام العلامة السيد حامد بن عامر حامد علوي أن معتمد سلفنا العلويين في الفقه على ما قاله الشيخ ابن حجر، وليس ذلك لكثرة علمه؛ فإن الشيخ عبد الله بامخرمة أوسع علماً منه، ولكن ابن حجر له إدراك قوي أحسن منه بل ومن غيره من الفقهاء المصنفين؛ فلذا اعتمده سلفنا بتريم أهـ.
فما قوي مدركه هو المتقدم عند المحققين، وإن لم يقل به إلا واحد أو خالف كلام الأكثرين، ومن ثم وافق الأصحاب على كثرتهم الشافعي (رضي الله عنه) في مسائل انفرد بها