قال الرافعي: قد مرَّ في الفصل السابق أن المماثلة بمعيار الشرع مرعية، وأن الحكم يختلف بين أن يكون الرَّبويان متجانسين وبين إلاَّ يكونا متجانسين، وذلك يحوج إلى بيان مِعْيار الشّرع، وإلى بيان أنها في أي حالة تعتبر، وإلى معرفة التّجانس في مظانِّ الأشكال فعقد فيها ثلاثة أطراف من الكلام:
أحدها: في طريق المماثلة.
اعلم أن معيار الشرع الذي تراعى به المماثلة هو الكَيْل والوزن، فالمكيل لا يجوز بيع بعضه ببعض وزناً، ولا يضر مع الاسْتِوَاء في الكيل التفاوت في الوزن.
والموزون لا يجوز ببيع بعضه ببعض كَيْلاً، ولا يضرُّ مع الاسْتواء في الوزن التَّفاوت في الكيل روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "الذَّهَبُ بالذَّهَبِ وَزْنًا بوَزْنٍ، وَالحِنْطَةُ بالْحِنْطَةِ كَيْلاً بِكَيْلٍ" (1).
والنقدان من الأشياء السِّتة المذكورة في خَبَرِ "عُبَادة" موزونان، والأربعة المطعومة مكيلة.
نعم لو كان الملح قِطَعاً كِبَاراً ففيه وجهان:
أحدهما: أنه يُسْتحق ويباع كَيْلاً فإنه الأصل فيه.
وأظهرهما: أنه يباع وزناً نظراً إلى ما له من الهيئة في الحال، وكذا كل شيء يتجافى في الكَيْل يباع بعضه ببعض وزناً.
وكل ما كان مكيلاً بالحِجَاز على عهد رسول اللهَ -صلى الله عليه وسلم- فالمعتبر فيه الكيل، وكل ما كان موزوناً فالمعتبر فيه الوزن، ولو أحدث النَّاس خلاف ذلك فلا اعتبار به. وعن أبي حنيفة: أنه يعتبر فيه غالب عادات البلدان، رواه صاحب "التهذيب".
وما لم يكن على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو كان، لا يعلم أنه كان يكال أو يوزن، أو علم أنه يكال مرة ويوزن أخرى، ولم يكن أحدهما أغلب.
فقد ذكر المُتَوَلِّي أنه إنْ كان أكبر جِزماً من التَّمر فالاعتبار فيه بالوزن، لأنه لم يعهد الكيل بالحجاز فيما هو أكبر من التمر، وإن كان مثله أو أصغر منه ففيه وجوه:
أحدها: أن المعتبر فيه الوزن؛ لأنه أخصر وأقلّ تفاوتاً.
والثاني: الكيل؛ لأنه أعم فإن أكثر الأشياء الستة المذكورة في الحديث مكيل، وأيضاً فإن أغلب المطعومات في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانت مكيلاً.