الثالثة: لو لم يقصد البائع التَّصْرِية لكن ترك الحلاب ناسياً أو لشغل عرض، أو تحفَّلت هي بنفسها، فهل يثبت الخيار؟ وجهان:
أحدهما: لا، وبه أجاب في الكتاب لعدم التدليس.
والثاني: نعم؛ لأن ضرر المشتري لا يختلف، فصار كما لو وجد بالمبيع عيباً لم يعلمه البائع، وهذا أصح عند صاحب "التهذيب".
الرابعة: خيار التصرية لا يختصّ بالنعم، بل يعم سائر الحيوانات المأكولة، وفي "الحاوي" ذكر وجه: أنه يختص.
ولو اشترى أَتَانا فوجدها مُصَرَّاة، فوجهان أيضاً:
أحدهما: أنه لا يرد، إذ لا مبالاة بلبنها.
وأصحهما: أنه يثبت الرد؛ لأنه مقصود لتربية الجَحْش، وعلى هذا فالمذهب: أنه لا يرد اللَّبن؛ لأنه نجس.
وقال الإصْطَخْري: يرد لذهابه إلى أنه طاهر مشروب.
ولو اشترى جارية فوجدها مُصَرَّاة، فوجهان أيضاً:
في أحدهما: لا يرد؛ لأنه لا يقصد لبنها، إلاَّ على ندور.
وفي أصحهما: يرد؛ لأن غَزارة أَلْبَان الجَوَاري مطلوبة في الحَضَانة مؤثرة في القيمة، فعلى الأول يأخذ الأَرْش، قاله في "التهذيب"، وعلى الثاني: هل يرد معها بدل اللَّبن؟ وجهان:
أظهرهما: لا؛ لأن لبن الآدميات لا يعتاض عنه غالباً.
الخامسة: هذا الخِيَار غير مَنُوط بخصوص التَّصرية، بل بما فيها من المعنى المشعر بالتَّلْبِيس، فيلحق بها ما يشاركها فيه حتى لو حبس ماء القَنَاة أو الرّحى ثم أرسله عند البيع أوَ الإجارة، فتخيل المشتري كثرته، ثم تبين له الحال فله الخيار، وكذا لو حمَّر وجه الجارية، أو سَوَّد شعرها أو جَعَّده، أو أرسل الزّنْبُور في وجهها حتى ظنها المشتري سَمِينة، ثم بَانَ خلاف المظنون.
ولو لطخ ثوب العبد بالمِدَاد، أو ألبسه ثوب الكَتَبَة أو الخَبَّازين، وخيل كونه كاتباً أو خبازاً فَبَانَ خلافه، فوجهان:
أحدهما: يثبت الخيار لِلتَّلْبيس.
وأصحهما: أنه لا خيار؛ لأن الإنسان قد يلبس ثوب الغير عَارِية، فالذَّنْب للمشتري حيث اغْتَرَّ بما ليس فيه كثير تغرير، ويجري الوجهان فيما لو أكثر عَلَفَ البهيمة