الآخر بصفات وَخَواص، فالإضافة إِليها تفيد فائدة الأوْصَاف، وإنْ لم تُفِد تنويعاً فوجهان:
أحدهما: أنه كَتَعْيين المُكْيال لخلوه عن الفائدة.
وأصحهما: الصِّحة؛ لأنه لا ينقطع غالباً ولا يتضيَّق به المجال.
قال الغزالي: الشَّرْطُ الخَامِسُ مَعْرِفَةُ الأَوْصَافِ، فَلاَ يَصِحُّ السَّلَمُ إلاَّ فِي كُلِّ مَا يَنْضَبِطُ مِنْهُ كُلُّ وَصْفٍ تَخْتَلِفُ بِهِ القِيمَةُ اخْتِلاَفاً ظَاهِراً لاَ يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ فِي السَّلَمِ، وَلاَ يصحُّ في المُخْتَلطَاتِ المَقْصُودَةِ الأَدْكَانِ كَالمَرَقِ وَالحَلاَوَي وَالمَعْجُونَاتِ، وَالخِفَافِ وَالقِسيِّ وَالنِّبَالِ، وَالأَصَحُّ أنَّهُ يَصِحُّ فِي العتابي وَالخَزِّ وَإِن اختلفت اللُّحْمَةُ وَالسَّدَى لأَنَّهُ فِي حُكْمِ الجِنْسِ الوَاحِدِ كَالشَّهْدِ (و) وَاللَّبَنِ، وَكَذَلِكَ مَا لاَ يَقْصِدُ خَلْطَهُ: كَالخُبْزِ وَفِيهِ المِلْحُ، وَالجُبْنُ وَفِيهِ الإِنْفَحَةُ، وَكذَا دُهْنُ البَنَفْسَجِ وَالبَانِ، وَفِي خلِّ الزَّبِيبِ، وَالتَّمرُ وَفِيهِ المَاءُ تَرَدُّدٌ.
قال الرَّافِعِيُّ: أقدم فقه الفصل ثم أتكلم في الضَّبط الَّذي حاوله.
أما الفِقْه فهو أن معرفة أوصاف المسلم فيه بذكرها في العَقْد شرط، فلا يصح السَّلَم فيما لا تنضبط أوْصافه، أو تَنْضبط، وأهملا بعض ما يجب ذكره؛ لأن البيع لا يحتمل جَهَالة المعقود عليه وهو عين؛ فلأن لا يحتملها السَّلَم وهو دَيْن كان أوْلى، ولتعذُّر الضبط أسباب:
منها: الاختلاط، والمُخْتَلَطَات أربعة أنواع؛ لأن الاخْتِلاَط إمَّا أن يقع بالاختبار أو خِلْقَة والأول إمَّا أنْ يتفق وجميع أخْلاَطِهَا مقصودة، أو يتفق والمقصود واحد، والأول إِمَّا أَنْ يكون بحيث يَتَعَذَّر ضبط اخْلاَطِه أو بحيث لا يَتَعَذَّر.
النَّوع الأول: المختلطات المقصودة الأركان التي لا تنضبط أقدار أخلاطها وأوصافها، كالهَرَائِس ومعظم المَرَق والحَلَوى والمَعْجُونَات وَالحَوَارَشَات، والغالية المركبة من المسك والعَنْبَر والعُود والكَافُور، فلا يصح السَّلَم في شَيْءٍ منها للجهل بما هو متعلق الأغراض، وكذا الخِفَاف والنِّعَال لاشتمالها على الظِّهَارة والبِطَانَة والحَشْو؛ لأن العبارة تضيق عن الوَفاءِ بذكر أطرافها وانعطَافَاتها، وفي "البيان" أن الصَّيمري حكى عن ابن سُرَيجٍ جواز السَّلم فيها، وبه قال أبو حنيفة، وكذا القِسِيّ لا يجوز السلم فيها لاشتمالها علىَ الخَشَبِ والعظْم والعَصَبِ.
وأما النّبْل فقد نقل فيه اختلاف نص، واتفقوا على أنه لا خلاف فيه، واختلاف النَّص محمول على اخْتلاف أحواله، فلا يجوز السلم فيه بعد التَّخْريط والعمل عليه.