أَغْلَبُ فِي الاحْتِيَاطِ وَقيلَ: إِلَى تِسْعِ وَعِشْرِينَ لِأَنَّهُ تتمَّةُ الدَّوْرِ.
قال الرافعي: المبتدأة التي لا تَمْيِيزَ لها وهي التي يكون جميع دَمِهَا من نوع واحد ينظر في حالها إن لم تعرف وقت ابتداء دمها فحكمها حكم المتحيَّرة؛ لأن مردَّها على ما سيأتي يترتب في كل شهر على أول مُفَاتَحَة الدم، فإذا كان ذلك مجهولاً لزم التحَيُّر، وإن عرفت وقت الابتداء وهي الحالة المرادة في الكتاب، ففي القدر الذي تحيض فيه قولان:
أصحهما: أنها تحيض أقل الحيض وهو يوم وليلة؛ لأن سقوط الصلاة عنها في هذا القدر مستيقن، وفيما عداه مشكوك فيه، فلا تترك اليقين، إلا بيقين أو أمارة ظاهرة كالتَّمميز والعادة.
والثاني: ترد إلى غالب عادات النساء، وهو ست أو سبع، لأن الظاهر اندراجها في جملة الغالب.
وقد روى أن حمنة بنت جحش قالت: "كُنْتُ أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً شَدِيدَةً فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: تَحَيَّضِي فِي عِلْم اللهِ سِتَّةِ أيَّامٍ أَوْ سَبْعَةَ أَيَّام ثُمَّ اغْتَسِلِي فَإذَا رَأَيْتِ أَنَّكِ قَدْ تَطَّهَّرتِ فَصَلِّي أَرْبَعاً وَعِشْرِين لَيْلَةً أَوْ ثَلاَثاً وَعِشْرِينَ لَيلَةً وَأَيَّامَهَا وَصُومِي وَصَلِّي فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُكِ".
وروى أنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "تَحَيَّضِي فِي عِلْمِ اللهِ سِتًّا، أَوْ سَبْعاً كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ وَيطْهُرُنَ مِيقَاتَ حَيْضِهِنَّ وَطُهْرِهِنَّ".
فقال جماعة من الأصحاب: منشأ القولين الذين ذكرناهما تردُّد الشّافعي -رضي الله عنه- في أن حمنة كانت مبتدأة أو معتادة، إن قلنا: كانتَ معتادة رددنا المبتدأة إلى الأقل أخذاً باليقين، ومن قال بهذا قال: لعلّه عرف من عادتها أنها أحد العددين الغالبين، إما السّت أو السّبع، لكن لم يعرف عينه فلذلك قال: تحيضي ستّاً أو سبعاً.
وإن قلنا: كانت مبتدأة رددنا المبتدأة إلى الغالب.
وقوله: "في علم الله" أي: فيما علمك الله من عادتك، إن قلنا: كانت معتادة ومن غالب عادات النّساء، إن قلنا: كانت مبتدأ فإن فرعنا على القول الثاني فهل الرَّد إلى السّت أو السّبع على سبيل التَّخيير بينهما أم لا؟ فيه وجهان:
أحدهما: أنه على التَّخيير لظاهر الخبر فتحيض إن شاءت ستّاً، وإن شاءت سبعاً، ويحكى هذا عن شرح أبي إسحاق المَرُوزِيّ. وزعم الحناطيُّ أنه أصح الوجهين:
والثاني: وهو الصحيح عند الجمهور، أنه ليس على التَّخيير ولكن تنظر في عادات النّساء أهن يحضن ستاً أو سبعاً، ومن النسوة المنظور إليهن فيه ثلاثة أوجه: