إحداها: في أن الوصي، هَلْ يوصي؟ وفيه صور:
إحداها: ليس للوصي في الوصَايةِ المطْلَقة: أنْ يُوصِيَ إلَى غيره، وبه قال أحمد -رحمه الله-.
وقال أبو حنيفة، ومالك -رحمهما الله-: إن له أن يُوصِيَ.
لنَا: أنَّ الوليَّ لم يَرْضَ بالثاني، وأيضاً: فإنه يتصرَّف بالتولية والتفْوِيضِ؛ فلا يملك التفويض إلَى غيره؛ كالوكيل.
الثانية: لو قال: أوصيتُ إلَيْكَ، فإذا متَّ، ففلانٌ وَصِيِّ، أو فقد أوصيتُ إليه، أو قال: أوصيتُ إلَيْك، إلى أن يبلغ ابْنِي فلانٌ، أو يَقْدَمَ من سفره، فإذا بلغ، وقَدِمَ، فهو الوصيُّ. أو قال: أوصيتُ إليكَ إلَى سنه، فإذا مَضَتْ، فوصيِّ فلانٌ، جاز؛ لأنَّ المُوصِيَ هو الَّذِي أوصَى إليهما، ورضيهما، إلاَّ أن الوصاية إلى الثاني مشروطةٌ بشرط.
وقد رُوِيَ أن فاطمة بنْتَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورضي عنهما- أوصَتْ في وقفها إلى عَلِيٍّ عليه السلام فإن حدَّث به حادث، فإلى ابنيها -رضي الله عنهما (1) -.
وأيضاً فإن الوصايةَ قريب من التأمير، ومن المشْهورِ أن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أمر زيداً -رضي الله عنه- وقال: "إنْ أصِيبَ، فَجَعْفَر، فَإِنْ أُصِيبَ، فَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ" (2) هذا ظاهرُ المذْهَبِ، ويحتمل الوصيةُ التعليقَ، كما تحتمل الجهالات، والأخطار.
وحكى أبو عبد الله الحنَّاطِيُّ، وآخرون فيها خلافاً أحداً من الخلاف في تعليق الوكالة. وبالمنْعِ أجاب القاضي الرويانيُّ؛ فقال: لو قال: إذا متُّ، فقد أوصَيْتُ إليك لا يجوز بخلافِ قوله: أوصيتُ إليك، إذا مت، ولو قال: أوصيتُ إليك.
فإذا حَدَثَ بك حدَثُ الموت، فقد أوصيت إلَى من أوصَيتَ إليه، فوصيك وصيي روى المزني عن نصه (3) المنع وحَكَى عن اختلاف العراقيين قولاً آخر: أن الوصاية صحيحةٌ، وللأصحابِ في هذه الصورةِ ثلاثةُ طرقٍ؛ أشهرها أنَّ فيها قولَيْنِ:
أحدهما: الصحة؛ لأَنَّ الوصاية إِلى الأَول والثاني صادرةٌ من الموصِي، فهي كالصورة السابقة.
وأظهرهما: على ما ذكره "صاحب التهذيب" والشيخ أبو الفرج وغيرهما: المنع؛ لأن الموصَى إليه مجهولٌ هاهنا.
والطريق الثاني: القطْعُ بالمنْع، وحمل القول الآخر عَلَى ما إذا أوصَى وأَذِنَ