فيه، ومَواضِع العلامَاتِ من الفَصْل بَيْنَهُ لمن تَأمَّلَ الشرحَ.
وقولُه "عندَ تَمامِ الحُلْقُومِ والمِريءِ ولو طرح لفظُ "التَّمَام" لحصلَ الغَرَضُ؛ فإنه إذا ترك بعضَ الحلْقُومِ أو المرِيء (1) لم يكن قَاطِعاً لَهُمَا.
وقولُه "ولو قطِع من القَفَا وأَسْرَعَ حتى انقطع الحلقومُ" ظاهِرُه يخالف ما حكينا عن الإمامِ أنه يَكْفِي أن يكونَ فيه حياةٌ مستقرةٌ عند ابتداءِ قَطْعِ المريءِ، وذلك لأنَّ لفظَ "الحلْق" إن حُمِل على المذْبَحِ الشامل للحلْقُومِ والمِريءِ، فقضيةُ اعتبارِ انقطاعِهمَا قبل الانْتِهاءِ إلى حركة المذْبُوجِ، وإن حُمِل على الحَلقُوم -فكذلك لأنَّ القطعَ مِنْ جنبِ القَفَا ينتهي إلى المِريءِ أوَّلاً ثم إلى الحُلْقُومِ، فيكون انقطَاعُ الحلقُومِ بعد إنقطاع المَرِيءِ.
قال الغَزَالِيُّ: (أَمَّا السُّنَنُ) فَيُسْتَحَبُّ تَحْدِيدُ الشَّفْرَةِ* وَسُرْعَةُ القَطْعِ* وَتَوْجِيهُ المَذْبُوحِ إِلَى القِبْلَةِ* وَاسْتِقْبَالُ الذَّابِحِ القِبْلَةَ* وَأَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللهِ* وَلاَ يَقُولَ: بِسْمِ مُحَمَّدٍ* وَلاَ يَقُولَ: بِسْمِ اللهِ وَمُحَمَّدٍ* وَلَوْ قَالَ: بِسْمِ اللهِ وَمُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ جَازَ* ويُسْتَحَبُّ ذَبْحُ البَعِيرِ فِي اللَّبَّةِ لِلتَّسْهِيلِ.
قال الرَّافِعِيُّ: تَبيَّنَ في الفصْلِ السابِقِ ما يعتبرُ في الذبْحِ لتحلَّ الذبيحةُ، والغرضُ الآنَ بيانُ ما يتعلق بسُنَته وآدابه. فمنها تحديدُ الشَّفْرَةِ. روي عن شَدَّادِ بنِ أَوْسٍ -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِنَّ اللهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ الْإِحْسَانَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، فإذا قَتَلْتُمْ فَأحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِحَتَهُ.
والشِّفْرةُ: السِّكِّينُ العَظِيمةُ، ويقال لِحَدِّ السيْفِ شَفْرةٌ أيضاً.
ومنها: إِمْرَارُ السكينِ بقُوَّةٍ وتحامُلٍ ذَهَاباً وعَوْداً والجد في الإسْرَاعِ ليكون أَوْحَى وأَسْهَلَ.
ومنها: استقبالُ الذَّابحِ القِبْلةَ، وتوجِيهُ الذبيحةِ إِلَيْها، وذلك في الهدْيِ والضحيةِ اْشَدُّ اسْتِحْباباً؛ لأن الاستقبالَ مُسْتحبٌّ من القُرُبَاتِ.
ويُرْوَى عن جَابِرٍ -رضي الله عنه- أَنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- ضَحَّى بكبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فلما وجههما قَرَأَ: {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} الآيتيْنِ وكيف توجيهها (2)؟ ذُكِرَ فيه ثلاثةُ أَوْجُهٍ: