الحكم، فكذلك في لزومه، وهذا أشبه بما قيل في قسمة من تراضي الشريكان بقسمته على ما سيأْتي.
وأصحُّهما: على ما ذكر القاضي الرويانيُّ، ويُحكَى عن أبي حنيفة ومالك وأحمد -رحمهما الله- أنه يلزم بنفسه كحكم الحاكم، ويدل عليه الخبر الذي سبق.
ومهما رَجَعَ أحد الخصمين قبل أن يحكم، امتنع عليها الحكم حتى لو أقام المُدعي شاهدين، فقال المدَّعَى عليه: عَزَلْتُكَ، لم يكن له أن يحكم، وعن الإصطخري -رحمه الله- فيما إذا أحسَّ المدَّعَى عليه بالحكم تخريج وجهين؛ في أَنَّه هلَ يُمَكَّن من الرجوع والظاهر الأول، وإذا جوَّزْنا التحكيم في غير الأموال، فإذا خطب رجلٌ امرأةً وحكما رجلاً في التزويج، كان له أن يزوج، قال الرويانيُّ: وهذا هو الأصح، واختيار الأستاذ أبي إسحاق وأبي طاهر الزيادي، وغيرهما من المشايخ، وإنَّمَا يجوز فيه التحْكِيم، إذا لم يكن لها ولِيٌّ خاصٌّ من نسيب أو مُعْتَق، وشرط في بعض الشروح أَلاَّ يكون هناك حاكم.
وحكى صاحب "العدة".
القاضي أبو المكارم الطبريُّ ابن أخت الروياني وجهين في اشتراطه، وليكن هذا مبنياً على الطريقة الفارقة بين أن يكون في البلد حاكمٌ أو لا يكون، وإذا رُفِعَ حُكْمُ المحكِّم إلى القاضي، لم ينقضه إلا بما ينقض قضاء غيره، وقال أبو حنيفة: له نقضه إذا لم يوافق رأيه، بخلاف قضاء القاضي وقوله في الكتاب "وفي النكاح خلاف مرتب" إلى آخره، يشير إلى الطريقتين المذكورتين في أن الخلاف، هل يجري في غير الأموال؟ ووجه ترتيب النكاح على الأموال أنه أتم خَطَراً، وأجدر بالاحتياط، ووجه ترتيب العقوبات على النكاح؛ أنه يسعى في دفعها, ولا يُوَسّع بابها.
وقوله: "فَلَيْسَ له الحبس" معلم بالواو.
وقوله "واستيفاء العقوبة"، أراد به أنه وإن حكم بشيء من العقوبات كالقصاص وحد القذف، فإنَّه لا يستوفيه، قال في "الوسيط": لأن ذلك يخرم أبَّهة الولاة.
هذا شرحُ الفَصْلِ الأولِ المعقودِ في التولية ونختمه بمسائل أُخر تتعلق بالتولية.
يجب على الإِمام نصب القاضي في كل بلدة وناحية عَرَفَ أنها خاليةٌ عن القاضي؛ إما بأن يبعث إليهم قاضياً من عنده، أو بأن يختار منهم من يصلح لذلك، ثم إن عرف من حال من يوليه عِلْماً وعدالةً، فذاك، وإلا أحضره وجمع بينه وبين أهل العلم؛ لِيَقِفَ عَلَى قَدْر علمه، ويسأل عن سيرته جيرانَه وخلطاءه، وإذا وَلَّى من لا يعرف حاله، لم تنعقد التوليةُ، وإن عرف من بعد أَنَّه بصفات القضاة.