فرع:
حكى الشَّيْخُ أبو الفَرَج وجْهَيْنِ: في أنه هل يَجِبُ الحُضُورُ عند القاضي الجَائِرِ والمُتَعَنِّتِ، وأَدَاء الشهادة؟ لأنه لا يَأْمَنُ الشَّاهِدُ رَدَّ شَهَادَتِهِ جَوْزاً، وتَعتُّتاً؟ فَيَتَعيَّنُ، وعلى هذا فَعَدَالَةُ القاضي واسْتِجْمَاعُهُ الصفات المَرْعِيَّة، شَرْطٌ آخر من شَرَائِطِ الوُجُوبِ (1).
فرع:
إذا امتنع الشاهد عن أَدَاءِ الشَّهَادَةِ بعد وُجُوبِهِ حَيّاً من المَشْهُودِ عليه، قال القاضي الحُسَيْنُ: يَعْصِي، ولا يجوز للْقَاضِي قَبُولُ شَهَادَتِهِ في شَيْءٍ أَصْلاً، حتى يَتُوبَ، ويُوَافِقَ هذا ما قيل: إن المدعي لو قال للقاضي: لي عند فُلانٍ شَهَادَةٌ، وهو ممتنع (2) من أَدَائِهَا، فأحضره لِيَشْهَدَ، لم يُجِبْهُ القاضي؛ لأنه فَاسِقٌ بالامْتِنَاعِ بِزعْمِهِ، فلا يُنْتَفَعُ بشهادته (3). والله أعلم.
قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَلاَ يَسْتَحِقُّ الشَّاهِدُ أجْرَةً إِلاَّ أُجْرَةَ المَرْكُوبِ، ثُمَّ لَهُ أَنْ لاَ يَرْكَبَ، وَالكَاتِبُ يَسْتَّحِقُّ، وَالتَّحَمُّلُ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ مِنْ فرُوضِ الكِفَايَاتِ، وَفِي سَائِرِ المُعَامَلاَتِ وَجْهَانِ، إِذْ يَسْتَغْنِي عَنْهَا الانْعِقَادُ دُونَ الإِثْبَاتِ، وَكَذَا كِتَابَةُ الصُّكُوكِ مِنْ فُروضِ الكِفَاياتِ عَلَى أَحَدِ الوَجْهَيْنِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: في هذه البقية، التَّعَرُّضُ لثلاثة أُمُور: وهي أن الشَّاهِدَ هل يَأْخُذُ شيْئاً؟ وحُكْمُ تَحَمُّلِ الشهادة في الابتداء، وحُكْمُ كِتَابَةِ الصُّكُوكِ، وأخذ الأُجْرَةِ عليها.
ونحن نَذْكُرُهَا من غير رِعَايَةِ تَرْتِيب الكتاب: أحد الأمور الثلاثة: حكم التحمل (4) وهو مِنْ فُرُوضِ الكِفَايَاتِ في النِّكَاح، لِتَوَقُّفِ الانْعِقَادِ عليه، فلو امتنع الكُلُّ عنه، أَثِمُوا، ولو طُلِبَ من اثنين التَّحَمُّلُ، وهناك غَيْرُهُمَا، لم يَتَعيَّنَا، بخلاف ما إذا تَحَمَّلَ جَمَاعَةٌ، وطُلِبَ من اثنين منهم الأَدَاءُ لما مرَّ.
وأما في التَّصَرُّفَاتِ المَالِيَّةِ، والإِقْرَارِ، فهل التَّحَمُّلُ من فُرُوضِ الكِفَايَاتِ؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا، وإنما هو مَنْدُوبٌ إليه؛ لأن صِحَّتَهَا واسْتِيفَاءَ مَقَاصِدِهَا، لا يَتَوقَّفُ