المَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: تصح كِتَابَةُ الذِّمِّيِّ كِتَابياً كان، أو مَجُوسِيّاً؛ لأنه مالك، والكتابة عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، وفيها تَعْلِيقُ عِتْقٍ بصفة، وهما صحيحان منه.
وكذا كِتَابَةُ المُسْتَأْمَنِ صَحِيحَةٌ، وهذا إذا جَرَتْ كِتَابَتُهُمْ على شَرَائِطِ شَرْعِنَا.
فأما إذا كاتب الذِّمِّيِّ عَبْدَهُ على خَمْرٍ أو خِنْزِيرٍ، ثم أسلما، أو تَرَافَعَا إلينا، فينظر:
إن كان ذلك بعد قَبْضِ العِوَضِ المُسَمَّى فالعتق حَاصِلٌ، ولا رُجُوعَ للسيد على العَبْدِ، ولا يُفْسَخُ العَقْدُ، ولا القَبْضُ الحاصل في الشرك.
وإن أَسْلَمَا، أو تَرَافَعَا قبل القَبْضِ، حكمنا بفَسَادِهَا وإبطالها، فإن وجد القَبْضُ بعد ذلك لم يَحْصُلِ العِتْقُ؛ لأنه لا أَثَرَ لِلكِتَابَةِ الفَاسِدَةِ بعد الفَسْخِ والإبطال.
وإن قَبَضَ بعد الإِسْلاَمِ، ثم تَرَافَعَا، حَصَلَ العِتْقُ؛ لوجود الصِّفَةِ، ويرجع السيد على المُكَاتَبِ بقيمته، ولا يرجع المُكَاتَبُ للخمر والخِنْزِيرِ بشيء.
نعم، لو كان المُسَمَّى مِمَّا لَهُ قِيمَةٌ، فله الرُّجُوعُ أيضاً، وإن قبض بعض المُسَمَّى في الشِّرْكِ، ثم أسلما، أو تَرَافَعَا إلينا، فنحكم ببطلان الكتابة أيضاً.
فإن اتَّفَقَ قَبْضُ الباقي بعد الإسْلاَم، وقبل إِبْطَالِهَا، حصل العِتْقُ ويرجع السيد بجميع قِيمَتِهِ عليه، ولا تُوَزَّع القيمة علىَ المَقْبُوضِ قبل الإِسلام والمقبوض بعده؛ لأن العِتْقَ يَتَعَلَّقُ بالنجم الأَخِيرِ، وأنه وجد في الإسْلاَم، ولا يَثْبُتُ للنجوم حَقِيقَةُ العِوَضِيَّةِ إلا إذا تَمَّتْ؛ ألا ترى أنه إذا عرض (1) عَجْزٌ لم يكنَ المَقْبُوضُ من قَبْلُ عِوَضاً، بل كَسْبَ رَقِيقٍ، وإذا كان كذلك لم تَكُنْ قَابِلَةً لِلتَّقْسِيطِ الجاري في الأعواض (2).
وقوله في الكِتَابَةِ: "والكافر تَصِحُّ كِتَابَتُهُ إلاَّ أن يكون العَبْدُ قد أسلم وخوطب بِبَيْعِهِ وكاتب ففيه وجهان" ليس الاسْتِثْنَاءُ فيه بحسن الموقع؛ لأن كِتَابَة الكَافِرِ قد تَصِحُّ، وقد تَفْسُدُ ككتابة المُسْلِمِ، وليس الفَسَادُ مَخْصُوصاً بهذه الصُّورَةِ المُسْتَثنَاةِ.
والذي يَقْصِدُهُ القَائِلُ بقوله: "إن الكافر لا تَصِحُّ كتابته" أنها تصح منه في الجُمْلَةِ، وإن الكُفْرَ لا يمنع صِحَّتَهَا، وهذا لا يحتاج إلى الاستثْنَاءِ.
وأما الصورة المَذْكُورَةُ: فإذا أسلم عبد لِذِمِّيِّ، واشْتَرَاهُ، وقلنا بِصحَّةِ الشِّرَاءِ، وأمرناه بِإِزَالَةِ المِلْكِ عنه، فكاتبه ففي صِحَّةِ كتابته قولان:
أحدهما: المَنْعُ؛ لأنه مَأْمُور بِإِزَالَةِ المِلْكِ، والكِتَابَةُ لا تُزيل فصار كما لو دَبَّرَهُ، أو عَلَّقَ عِتْقَة بصفة.