الوَلَدَ وَلَدَتْهُ أَمَتُهُ، وهي ملك له، وإذا وَلَدَتْ أَمَةُ المُكَاتَب من زِناً أو نِكَاحٍ، فهم عَبِيدُهُ، نَازِلونَ مَنْزِلَتَهُ، كسائر أَكْسَابِهِ، وهذا بِمَثَابَتِهِمْ، إلاَّ أنه لَا يَتْبَعُهُ، ويتكاتب عليه بِسَبَبِ القَرَابَةِ، فيعتق بِعِتْقِهِ، ويُرَقُّ بِرِقِّهِ.
فإذا عتق المكاتب، وتَبِعَهُ هذا الوَلَدُ، وفي يده كَسْبٌ، فالكَسْبُ لِلمُكَاتَبِ لا للولد. ولو كان للولد تَوَقُّفٌ؛ فلو جَنَى هذا الوَلَدُ جِنَايَةً، وتَعَلَّقَ الأَرْشُ بِرَقَبَتِهِ، فقد حكى الإِمَامُ عن العِرَاقِيِّينَ -رحمهم الله- أنه إن كان له كَسْبٌ فله أن يَفْدِيَهُ من كَسْبِهِ، وإن لم يكن له كَسْبٌ، وأراد بَيْعَهُ، فله أن يبيع كُلَّهُ -وإن زاد على قَدْرِ الأرْشِ- ثم يَصْرِفُ قَدْرَ الأَرْشِ إلى المَجْنِيِّ عليه، وَيأْخُذُ الباقي.
ثم غَلَّطَ مَنْ صَارَ إليه، وقال: الصحيح أنه لا يَفْدِي وَلَدَهُ -وإن كان يَفْدِيهِ من كَسْبهِ- لأن كَسْبَ الوَلَدِ كَسَائِرِ أَمْوَالِ المُكَاتَب، والفِدَاءُ كالشراء، فليس له صَرْفُ المال الذي يملك التَّصَرُّفَ فيه إلى غَرَضِ وَلَدِهِ، الذَي لا يملك التصرف فيه، فإنه بِمَثَابَةِ التَّبَرُّعِ.
قال: والصحيح أنه إذا بَاعَ لا يبيع منه إلاَّ قَدْرَ الأَرْشِ، كما أن العَبْدَ المرْهُونَ إذا جَنَى يُبَاعُ منه بِقَدْرِ الجِنَايةِ، ولا يزاد.
وَلْيُعَلمْ لما بَيَّنَّا قوله في الكتاب: "لم يكن له أن يَفْدِيَه"، بالواو، وقوله: "فإنه لا ينفذ تصرفه في ولده". هذا تَوْجِيهُ إِلْحَاقِ الفِدَاءِ بالشراء المعنى أنه لا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ في الوَلَدِ إذا فَدَاهُ، بل يتكاتب عليه كما لا ينفذ إذا اشْتَرَاهُ، وكما لا يَصْرِفُ المال الذي يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فيه بالبيع ونحوه إلى شِرَاءِ الولد، لا يَصْرِفُهُ إلى فِدَائِهِ.
وفي بعض النُّسَخِ: "ولا ينفذ تصرفه في مستولده" (1) وهو صحيح أيضاً؛ المعنى: أن ولده من جَارِيَتِهِ، كَسَائِرِ عَبِيدهِ وأَكْسَابهِ؛ إلاَّ أنه إذا جَنَى لمِ يكن له فداؤه، وإلاَّ إنه لا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فيه بالبيع ونحوه، بل يَتَكَاتَبُ عليه. وولد المُكاتَبَةِ من عَبْدِهَا يُشْبِهُ أن يكون كولد المكاتب من جَارِيَتِهِ، وأَوْلاَدُ بِنْتِ المُكَاتَبَةِ كأولادها.
فرعان:
أحدهما: إذا اختلف السَّيِّدُ والمُكاتَبَة في ولدها؛ فقال السيد: وَلَدَتهُ قبل الكتابة فهو رَقِيقٌ. وقالت: بعد الكِتَابَةِ. وقد يكاتب تَفْرِيعاً على القَوْلِ الأظهر، وكان كُلُّ واحد من الأمرين محتملاً، فإن أَقَامَ أحدهما بَيِّنةً قضى بها.
قال في "التهذيب": وإذا أقام السيد أَرْبَع نِسوَةٍ على ما يقوله، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُنَّ؛ لأنها شَهَادَةٌ على الوِلاَدَةِ، والملك يثبت ضِمْناً. وإن أقام كُلُّ واحد منهما بَيِّنَةً على ما