وجوب الوضوء، لاشتراكهما فيما دل على وجوب الوضوء، فليس باستصحاب الحال، وإنما هو احتجاج بدليل دل على وجوب الوضوء وإن اشترك بينهما في الحكم لاشتراكهما في علته، فهو قياس، وليس باستصحاب الحال.
واحتج المخالف:
بأن قول المجمِعين حجة، كما أن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - حجة، فلما وجب استصحاب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أن ينقل عنه الدليل، وجب استصحاب قول المجمعين إلا أن يَنْقُل عنه الدليل.
والجواب: أن هذا دليل لنا؛ لأن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كان خاصاً لم يجز أن يحتج به في غيره إلا بالقياس عليه، كذلك قول المجمِعين خاص؛ لأنهم إنما أجمعوا على صحة صلاة في 192/أ حال عدم الماء، ولم يجمعوا على صحتها في حال وجوده، فكان قول النبي دليلاً على المخالف.
واحتج: بأن استصحاب حكم العقل في براءة الذمم واجب حتى يقوم الدليل على الوجوب، كذلك ها هنا.
والجواب: أن دلالة العقل في براءة الذمم قائمة في حال الخلاف، وليس كذلك الإِجماع فإنه زائد، فلم يجز الاحتجاج به.
واحتج: بأنه قد ثبت أن من تيقن الطهارة وشكَّ في الحدث، أو تيقن الحدث وشكَّ في الطهارة، أو تيقن النكاح وشكَّ في الطلاق، أو تيقن الملك وشكُّ في العتاق، أو شكَّ في فعل الصلاة: "أن اليقين لا يزول بالشك" ويكون حكُم اليقين السابق مستداماً في حال الشك، كذلك ها هنا.
والجواب: أن الفرق بينهما ظاهر، وذلك أن الإِجماع الذي هو دليل الحكم قد تيقن زواله، فوجب أن يزول حكمُه، والطهارة لا يتيقن زوالها، وإنما هو مشكوك فيه، فلم يجز أن يزول اليقين بالشك، وكذلك النكاح والملك، والصلاة، فَوِزَان مسألتنا أن يُتَيقَّن الطهارة ثم يُتَيقَّن الحدث، فلا يجوز استدامة