ونحن إنما اعتبرنا إحداهما بالأخرى، مع وجود سببها، وهما متساويان في هذه الحالة، وإن اختلفا في غيرها.
واعترض المخالف على هذا وقال: العلل العقلية لم تصر عللاً بالعقل، وإنما هي علل بأنفسها.
ألا ترى أنها قد كانت عللاً، وإن لم يكن هناك ذو عقل.
وهذا غير صحيح؛ لأنه لا يصح وجود العلة العقلية قبل وجود العقل، لأنها به صارت عامة. وإنما يصح وجودها مع عدم ذي عقل؛ لأن ذلك ليس بعلة لها، وإنما علتها (1) العقل، وهو موجود.
فإن قيل: العلل الشرعية، لما لم تكن موجبة لهذه الأحكام قبل ورود الشرع لم يجز أن يرد الشرع بكونها موجبة. والعلل العقلية لما كانت موجبة لم يجز أن يرد الشرع بكونها غير موجبة.
قيل: لما كانت هذه العلل قبل ورود الشرع غير أمارات للأحكام، ثم لم يمتنع أن يرد الشرع بكونها أمارات 214/أ لم يمتنع أيضاً أن تكون غير موجبة قبل الشرع ثم يرد الشرع بكونها موجبة لما تعلق بها من الأحكام.
وقد قيل: إن القول بتخصيص العلة يقتضي سد باب الاستدلال على صحة العلة. فإنه لا تثبت العلة إلا بأمارة تدل على صحتها فإن وجد الحكم لوجودها، دلت الأمارة على صحتها. وإن لم يوجد الحكم لوجودها لم تكن تلك الأمارة دلالة على صحتها، فتكون علة تارة، ولا تكون علة أخرى، وتكون بعض العلة، فيجب ضم وصف آخر إليها حتى لا تنتقض.
فثبت أنها لم تكن علة مع عدم الوصف الزائد.
وقد قيل في المسألة: إن تخصيص العلة يؤدي إلى تكافئ الأدلة؛ لأن من