وجواب آخر وهو: أنه قد ينظر في دليل وفيما نظرت فيه على ممر الأيام في مجالس النظر والتدريس والقراءة من كتابك، أو سمعه من لفظك فلم يصح قولك: "إنه لم ينظر فيما نظرت فيه".
فإن قيل: تسبق إلى اعتقاده الشبهة فيمنعه ذلك، ويسوغ العلم بالدليل ومعرفة الطريق الصحيح.
قيل: وكذلك مخالفنا في هذه المسائل، فلا فرق بينهما.
وأيضاً: لو كان كل مجتهد مصيباً لكانت المناظرة بين أهل العلم خطأ وهوساً؛ لأن كل واحدٍ منهم عند صاحبه على حق، فلم يكن لمناظرتهم معنى، وكان بمنزلة مناظرة المتفقين فيما اتفقا فيه.
فلما وجدنا أهل العلم في كل عصرٍ يتناظرون، ويحتج بعضهُم على بعض دلّ على أن ليس كل مجتهد مصيباً.
فإن قيل: إنما يتناظرون حتى يغلب على ظن مخالفة ما (1) أدى إليه اجتهاده، فرجع إلى قوله.
قيل: لا فائدة في رجوعه من حق. وكونه على ما هو فيه وانتقاله إلى ظن آخر سواء، بل في ذلك محمل الكلفة والعبث (2) والتنازع والتخاصم، وليس هذا من عمل العقلاء.
فإن قيل: إنما حسُنت المناظرة في طلب الأشبَه.
قيل: عندك لم يُكلف طلب، فلا فائدة في المناظرة فيما لم يُكلَّف طلبُه.
وأيضاً: فإنه لا خلاف 242/ب أن المجتهد في الحادثة كلف الاجتهاد