رَحمَه الله يَقُول إِن علم صفة فعله أَنه فعله وَاجِبا أَو ندبا أَو مُبَاحا فَإِنَّهُ يتبع فِيهِ بِتِلْكَ الصّفة وَإِن لم يعلم فَإِنَّهُ يثبت فِيهِ صفة الْإِبَاحَة ثمَّ لَا يكون الِاتِّبَاع فِيهِ ثَابتا إِلَّا بِقِيَام الدَّلِيل
وَكَانَ الْجَصَّاص رَحمَه الله يَقُول بقول الْكَرْخِي رَحمَه الله إِلَّا أَنه يَقُول إِذا لم يعلم فالاتباع لَهُ فِي ذَلِك ثَابت حَتَّى يقوم الدَّلِيل على كَونه مَخْصُوصًا
وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح
فَأَما الواقفون احْتَجُّوا فَقَالُوا لما أشكل صفة فعله فقد تعذر اتِّبَاعه فِي ذَلِك على وَجه الْمُوَافقَة لِأَن ذَلِك لَا يكون بالموافقة فِي أصل الْفِعْل دون الصّفة فَإِنَّهُ إِذا كَانَ هُوَ فعل فعلا نفلا وَنحن نفعله فرضا يكون ذَلِك مُنَازعَة لَا مُوَافقَة وَاعْتبر هَذَا بِفعل السَّحَرَة مَعَ مَا رَأَوْهُ من الكليم ظَاهرا فَإِنَّهُ كَانَ مُنَازعَة مِنْهُم فِي الِابْتِدَاء لِأَن فعلهم لم يكن بِصفة فعله فَعرفنَا أَن الْوَصْف إِذا كَانَ مُشكلا لَا تتَحَقَّق الْمُوَافقَة فِي الْفِعْل لَا محَالة وَلَا وَجه للمخالفة فَيجب الْوَقْف فِيهِ حَتَّى يقوم الدَّلِيل
وَهَذَا الْكَلَام عِنْد التَّأَمُّل بَاطِل فَإِن هَذَا الْقَائِل إِن كَانَ يمْنَع الْأمة من أَن يَفْعَلُوا مثل فعله بِهَذَا الطَّرِيق ويلومهم على ذَلِك فقد أثبت صفة الْحَظْر فِي الِاتِّبَاع وَإِن كَانَ لَا يمنعهُم من ذَلِك وَلَا يلومهم عَلَيْهِ فقد أثبت صفة الْإِبَاحَة فَعرفنَا أَن القَوْل بِالْوَقْفِ لَا يتَحَقَّق فِي هَذَا الْفَصْل
وَأما الْفَرِيق الثَّانِي فقد استدلوا بالنصوص الْمُوجبَة للاقتداء برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أَقْوَاله وأفعاله نَحْو قَوْله تَعَالَى {لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة} وَقَوله تَعَالَى {وَأَطيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول} وَقَوله تَعَالَى {فَاتبعُوني يحببكم الله} وَقَوله تَعَالَى {الَّذين يتبعُون الرَّسُول النَّبِي الْأُمِّي} إِلَى قَوْله {واتبعوه لَعَلَّكُمْ تهتدون} وَقَوله تَعَالَى {فليحذر الَّذين يخالفون عَن أمره} أَي عَن سمته وطريقته
وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا أَمر فِرْعَوْن برشيد} فَفِي هَذِه النُّصُوص دَلِيل على وجوب الِاتِّبَاع علينا إِلَى أَن يقوم الدَّلِيل يمْنَع من ذَلِك
فَأَما الدَّلِيل لنا فِي هَذَا الْفَصْل أَن نقُول صَحَّ فِي الحَدِيث أَن النَّبِي عَلَيْهِ