الْإِرْث بِهَذَا السَّبَب بَاقِيا فِي غير هَذِه الْحَالة وَإِلَى ذَلِك أَشَارَ ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله يَا معشر هَمدَان إِنَّه لَيْسَ حَيّ من أَحيَاء الْعَرَب أَحْرَى أَن يَمُوت الرجل فيهم وَلَا يعرف لَهُ نسب مِنْكُم فَإِذا كَانَ ذَلِك فليضع مَاله حَيْثُ أحب
وَالله أعلم
بَاب الْكَلَام فِي أَفعَال النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَاماعْلَم بِأَن أَفعاله الَّتِي تكون عَن قصد تَنْقَسِم أَرْبَعَة أَقسَام مُبَاح ومستحب وواجب وَفرض
وَهنا نوع خَامِس وَهُوَ الزلة وَلكنه غير دَاخل فِي هَذَا الْبَاب لِأَنَّهُ لَا يصلح للاقتداء بِهِ فِي ذَلِك وَعقد الْبَاب لبَيَان حكم الِاقْتِدَاء بِهِ فِي أَفعاله وَلِهَذَا لم يذكر فِي الْجُمْلَة مَا يحصل فِي حَالَة النّوم وَالْإِغْمَاء لِأَن الْقَصْد لَا يتَحَقَّق فِيهِ فَلَا يكون دَاخِلا فِيمَا هُوَ حد الْخطاب
وَأما الزلة فَإِنَّهُ لَا يُوجد فِيهَا الْقَصْد إِلَى عينهَا أَيْضا وَلَكِن يُوجد الْقَصْد إِلَى أصل الْفِعْل
وَبَيَان هَذَا أَن الزلة أخذت من قَول الْقَائِل زل الرجل فِي الطين إِذا لم يُوجد الْقَصْد إِلَى الْوُقُوع وَلَا إِلَى الثَّبَات بعد الْوُقُوع وَلَكِن وجد الْقَصْد إِلَى الْمَشْي فِي الطَّرِيق فَعرفنَا بِهَذَا أَن الزلة مَا تتصل بالفاعل عِنْد فعله مَا لم يكن قَصده بِعَيْنِه وَلكنه زل فاشتغل بِهِ عَمَّا قصد بِعَيْنِه وَالْمَعْصِيَة عِنْد الْإِطْلَاق إِنَّمَا يتَنَاوَل مَا يَقْصِدهُ الْمُبَاشر بِعَيْنِه وَإِن كَانَ قد أطلق الشَّرْع ذَلِك على الزلة مجَازًا
ثمَّ لَا بُد أَن يقْتَرن بالزلة بَيَان من جِهَة الْفَاعِل أَو من الله تَعَالَى كَمَا قَالَ تَعَالَى مخبرا عَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام عِنْد قتل القبطي {هَذَا من عمل الشَّيْطَان} الْآيَة وكما قَالَ تَعَالَى {وَعصى آدم ربه فغوى} الْآيَة وَإِذا كَانَ الْبَيَان يقْتَرن بِهِ لَا محَالة علم أَنه غير صَالح للاقتداء بِهِ
ثمَّ اخْتلف النَّاس فِي أَفعاله الَّتِي لَا تكون عَن سَهْو وَلَا من نتيجة الطَّبْع على مَا جبل عَلَيْهِ الْإِنْسَان مَا هُوَ مُوجب ذَلِك فِي حق أمته
فَقَالَ بَعضهم الْوَاجِب هُوَ الْوَقْف فِي ذَلِك حَتَّى يقوم الدَّلِيل
وَقَالَ بَعضهم بل يجب اتِّبَاعه والاقتداء بِهِ فِي جَمِيع ذَلِك إِلَّا مَا يقوم عَلَيْهِ دَلِيل
وَكَانَ أَبُو الْحسن الْكَرْخِي